أحمد حسن عوض يكتب: الشاعر والاغتراب – سعوديوم

ومن البديهي أن الشاعر الذي تحركه عواطف صادقة تجاه عالمنا المعاصر في لحظتنا الراهنة سيختبر حتما مشاعر اغتراب حقيقية تجاه الاتجاهات الظالمة والممارسات القمعية التي تحدث، والتي تمارسها قوى ظلامية جبارة تلجأ إلى عالم ظالم. آلة عسكرية متطورة تسحق الإنسانية الإنسانية، ولا تهتم بكل قيم الحق والخير والجمال التي هي حلم. الشاعر الأصيل في كل زمان ومكان.

وهنا ينشأ التناقض العميق بين عالم ظالم جائر شديد القسوة والاستبداد، وعالم بريء وعادل يحلم به الشاعر في مخيلته النبيلة المتناقضة. وهذا يخلق ما يمكن أن نطلق عليه سمة الاغتراب، وهي سمة فلسفية ذات جذور بعيدة تتعدى ظاهرة الاغتراب المكاني وما تنطوي عليه من حنين أو حنين إلى أوطان بعيدة، وتتجاوز أيضا ظاهرة الاغتراب النفسي الذي يصيب مجتمعا ما. الشخص بسبب عدم قدرته على الانسجام أو التوافق مع البيئة الاجتماعية أو العالم الحي. . وهو اغتراب الهدف وعدم القدرة على تحقيق الهوية المنشودة والعيش في ظل الوجود المنشود.

لقد أصبح الأمر الآن أكثر قسوة وأفظع، فماذا يفعل الشاعر الذي لا يملك إلا كلماته ورؤاه وصوره واستعاراته؟

هل يرضي أن يبقى الصوت الصارخ في البرية، لا يجيبه إلا أصداء خافتة ضعيفة؟ أم أنه يدعي القدرة المتناقضة والتفاؤل الساذج الذي يتغنى ببطولات الماضي دون النظر إلى أسباب التقدم ويكتفي بتذكر كلمات السيف والرمح والفرس والصحراء؟ أم يلجأ إلى كهف الذات ويمارس الأنين الصامت المسور بجدران العجز والانحطاط؟ القدرة على التأثير؟

ورغم كل ذلك، يجب على الشاعر أن ينخرط في الكتابة الحديثة ويمثل رؤاه الحديثة، ويستمر في تأجيج المشاعر، وإشعال الانتماء إلى القضايا الكبرى، وإبراز قيم الصمود والتحدي بطرق تتجاوز الأنماط القديمة.

خاطب محمود درويش سميح القاسم ذات يوم قائلا: أما زلت تؤمن أن القصائد أقوى من الطائرات؟

فكيف لا يواجه امرؤ القيس بيننا المذبحة؟

لكنه لم يتوقف عن كتابة الشعر، ولم يتخلى عن حلمه النبيل، حتى لو بدت خيوط الفجر المنشود باهتة خلف الظلال البعيدة.


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى