
بملامح بريئة وصبر وإصرار أقوى الرجال، تتسلق ياسمين (11 عاماً) فوق أنقاض منزل عائلتها الذي مات تحت الركام، وهي تحمل على كتفيها أختها نعمة (ثلاث سنوات)، و في عينيها الأرض التي اهتزت من التساؤلات والحيرة والحزن، تملأ الأرض تساؤلات وحيرة وحزنًا يبكي الصخور وتنهار الجبال.
في هذه الحلقة من تغطية أحداث زلزال المغرب، واجهنا مشاهد غير مسبوقة. الحدس الذي قادنا إلى هناك لم يكن مخطئا. وبعد دقائق من الحديث مع أهالي قرية “دوار الإنرني”، علمنا أن القرية التي لم يكن عدد سكانها يتجاوز 120 نسمة، أصبح عدد سكانها 16 شخصا. طفل يتيم فقد والديه في ليلة مظلمة، وتوفي سبعة أطفال، إلى جانب 35 ضحية.
أنقذهم والدهم وتوفي بالقرب من والدتهم
أمام منزل ترتكز بقية جدرانه على شجرة لا تزال جذوعها عالقة في الأرض وترفض السقوط، كانت ياسمين آيت أحمد تجلس وتأوي إليها شقيقتها الصغرى نعمة البالغة من العمر ثلاث سنوات. اندهشت عيونهم وملامحهم البريئة من الدمار الذي حل ببيوتهم التي كانت بالأمس فقط جنة لعب ولقاء. الرفاق والمراعي الطيور الملونة. وفجأة انفتحت عيون الأبرياء على حزن لم يعرفوه من قبل، وواصلت الزهرتان نداءهما لأم غابت منذ خمسة أيام ولن تجيب… ماذا حدث هنا؟
القاسم المشترك بين كل البيوت هنا هو البساطة، ورغم ذلك كانت مليئة بالناس، وكما يحدث قبل كل الفصول، تجتمع العائلات لترتيب الاستعدادات. وهنا تجتمع عائلة ياسمين لترتيب احتياجاتهم لبدء العام الدراسي الجديد، ووضع قائمتهم؛ أقلام ودفاتر رسم وحقيبة مدرسية مرسومة بأحد الرسوم الكاريكاتورية المفضلة لديها. وفجأة تحولت فرحة العام الجديد إلى جنازة عظيمة.
هكذا روت الطفلة ياسمين لحظات الكرب الأولى بنبرة صوت رجل عجوز، وجه له الزمن ضربة أذقته، في ثوان معدودة، مرارة سنوات طويلة، وتركت أثرها على وجهه. وتقول ياسمين -التي أخبرت والدها منذ فترة قصيرة أنها تريد أن تصبح معلمة لتعليم أطفال القرية والقرى المجاورة القراءة والكتابة- إنها نجت هي وشقيقتها بمعجزة، كما توفي والدها بعيدًا عن عمر يناهز 45 عامًا، والذي كان يتناول “دواء التفاح”، نهض مع أول هزة للمنزل، وأخرج نعمة الصغيرة وغادر، وخلال ثوان عاد وحمل ياسمين، قبل أن يقرر العودة ليحمل والدتهما. التي سقط حجر على رأسها عندما بدأ المنزل في الانهيار.
وتتابع: “كانت والدتي مستلقية على سريرها، ولم تتمكن من الهروب. سقط حجر على رأسها فسيل الدم، لكن والدي تمكن من إخراجنا بعد لحظات قبل أن ينهار المنزل بالكامل. عاد ليحمل أمي وجدتي اللتين كانتا في غرفة أخرى، لكنه دخل دون عودة. لقد انهار المنزل.” فوقهم جميعا.”
وظلت ياسمين تحفر الأرض وتتوسل بحجارة المنزل حتى لا تسقط على أسرتها، إلا أنها رفضت، حيث استمرت محاولة الإنقاذ لساعات دون جدوى. توفي والد ياسمين، الذي كان يعمل في الزراعة، ولم يترك لهم سوى اسمه، فيما نفقت الماشية التي كانوا قد ماتوا أيضاً تحت أنقاض الحظيرة.
قصة ياسمين ونعمة تشبه إلى حد كبير قصص عشرات الأطفال الأيتام في قريتها والقرى المجاورة.
13 ساعة تحت الأنقاض
وفي مشهد آخر، بعد 13 ساعة، نجت الطفلة وصال البالغة من العمر أربع سنوات، وأُعطيت للحياة، بعد أن لم يكن بينها وبين الموت سوى نصف متر.
وبينما كان إدريس بامهود (33 عاما) يبحث عن الإنترنت على سطح المنزل مع ابنته الصغيرة غزلان بسبب ضعفها داخل جدران المنزل، كانت زوجته تنظف المطبخ، بينما كانت ابنته الصغيرة وصال ، كان ينام بمفرده في غرفة النوم، وكان والداه يجلسان في غرفة أخرى، وفجأة وجد نفسه مع ابنته الصغيرة. فوق الأنقاض التي تحيط بعائلته.
صرخ الأب من هول المشهد. وكانت بجانبه فتاة فوق الركام، وأخرى تحته مع زوجته وأمه وأبيه، وقد أصيب في قدمه. واستمر الأب في رفع أنقاض المنزل المنهار لساعات بمساعدة الأهالي. وتمكن من إنقاذ الزوجة والأم والأب، فيما بقي وصال تحت الأنقاض نحو 13 ساعة.
سقطت وصال تحت السرير عندما اهتز المنزل لحمايتها من انهيار الصخور في جدران منزلها الذي كانت تأوي إليه دائمًا. واستمر صراخها 13 ساعة، قام خلالها الأهالي بإزالة الحجارة والأوساخ دون تحديد مكانها، لكنهم لم ينجحوا في النهاية إلا بجهودهم، حيث لم تتمكن قوات الإنقاذ من الوصول إلى القرية. ونتيجة انقطاع الطريق، انهارت في عدة مناطق، ما أدى إلى انقطاع الإمدادات.
لماذا لم تصل؟
فرق الإنقاذ؟
وعلى بعد نحو ثلاثة كيلومترات من إنيرني، لم يكن الوضع أفضل في قرية يعمها السلام بين بساتينها وأشجارها المثمرة، التي لم يبق منها سوى الأشجار التي يستظل تحتها من نجا من سكانها.
تقع قرية “تانريت” بولاية أمزميز على بعد حوالي 80 كيلومترا من مدينة مراكش. تضم حوالي 300 منزل، وفي كل منزل عائلة مكونة من 3-7 أفراد. واعتاد أهلها على رؤية صخور الأطلس وهي تتساقط على طول الطرق الوعرة المؤدية إليها، لكنها هذه المرة انهارت على رؤوسهم، مما أدى إلى مقتل أكثر من 50 قرويا.
ويقول معاذ العواد (33 عاما)، وهو سائق سيارة أجرة، إنه والسكان واصلوا عمليات الإنقاذ حتى الصباح، وتمكنوا من إنقاذ العشرات، لكن من بقي بعد ذلك مات. وبحسب معاذ؛ ونفذ السكان عمليات الإنقاذ حتى الصباح وطوال اليوم الأول، حيث حال انقطاع الطرق في العديد من المناطق دون وصول فرق الإنقاذ إلى هناك. كما يؤكد معاذ أنه لم ينجو أي من الأطفال الذين ظلوا تحت الأنقاض حتى الصباح، فيما كان العدد الأكبر من الضحايا في القرى المجاورة من الأطفال. لساعات طويلة في القرى المجاورة، والتي وجدنا صعوبة كبيرة في الوصول إليها، كنا نحصي الأرقام. وتشابهت قصص ومشاهد الدمار، فيما اختلفت الأعداد من قرية إلى أخرى. وتقع جميع القرى هنا، أو “الدواوير”، بالقرب من مركز زلزال “النسر”، حيث دمرت بالكامل، وسجلت العدد الأكبر من الضحايا. ووقعت 35 حالة وفاة في إنيرني، وأكثر من 50 حالة وفاة في تينيريت، و80 حالة وفاة في دوزرو، فيما سجلت القرى المجاورة أيضًا عشرات الوفيات.
الموت لم يترك وطنا
في قرية دوزرو؛ والتي سجلت أكثر من 87 حالة وفاة، بينهم 10 أفراد من عائلة واحدة. وضرب الحزن قلوب الجميع، وكذلك الموت من كافة عائلات القرية، الذي ماتت فيه نسبة كبيرة من الأطفال الذين لم يتحملوا انهيار الجدران التي كانت تحميهم من ثلوج الأطلس، فأخذت أرواحهم. للأبد.
يقول حسن سيدي سعيد (أربعيني) الذي فقد عائلته بأكملها: “لقد فقدت زوجتي وابني وابنتي وابنة أخي وجيراني وعائلتي وأحبائي في القرية التي لم تعد”. وحالة حسن هي نفس حالة جميع أهالي القرية والقرى المجاورة. فقدت كل عائلة أحد أفرادها، أو بقي أحد أفرادها. وبحسب أرقام رسمية كشف عنها الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية، فوزي لقجع، فإن إجمالي عدد الانهيارات الناجمة عن الزلزال الذي ضرب ستة أقاليم مغربية، وتضرر 163 جماعة، أي ما يعادل 68% من إجمالي عدد الانهيارات. المجموعات في المناطق التي ضربها الزلزال.
في حين بلغ عدد الدوارات المتضررة 2,930 دواراً بنسبة 5% من إجمالي الدوارات. وبلغ عدد سكان المناطق المتضررة من الزلزال 2.8 مليون نسمة.