
منذ اندلاع الحرب على غزة، لم يتوقف الجهد السياسي والدبلوماسي السعودي. بل إنها شهدت – ولا تزال تشهد – نشاطاً كبيراً في المحافل الدولية لوقف التصعيد ومنع تفاقم الصراع. وقد تجلى هذا النشاط بوضوح في كلمة ولي العهد ورئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان أمام قادة مجموعة البريكس. الخطاب الذي حمل رسائل في غاية الأهمية، كان موجها إلى دول العالم للتأكيد مجددا على ضرورة وقف إطلاق النار، وإنهاء العدوان الإسرائيلي، ووقف الإبادة الجماعية للمدنيين الفلسطينيين، قبل أن تختلط الأوراق في مصر والأردن. والعراق وسوريا ولبنان.
ولم تكن هذه التحذيرات فورية أو وليدة اللحظة. بل إن المملكة سعوديوم السعودية، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، واصلت تأكيد إدانتها للاعتداءات على المدنيين العزل، واستنكارها للانتهاكات الصارخة للأعراف الدولية. ودعت في هذا الصدد إلى أن يكون الموقف عربيا وإسلاميا من خلال قمة مشتركة تعقد في الرياض.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل عملت الرياض على معالجة الوضع الإنساني في غزة وتخفيف المعاناة. وفي هذا الصدد، قامت بتشغيل جسور جوية وبحرية لتخفيف معاناة السكان وتوفير الدواء والعلاج للجرحى وتوفير المأوى للنازحين والمنكوبين.
وبالقياس والمقارنة، لعبت الدبلوماسية السعودية دوراً كبيراً في التأثير على مسار المناقشات الأوروبية بشكل خاص، وبدا لجميع الأطراف أن موقف الرياض الراديكالي والعلني من قضية التهجير القسري للفلسطينيين قد يكون أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت على وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن يغير لهجته عن أفكار سبق أن كررها في بداية المعركة. وهو يقبل، إلى جانب مسؤولين آخرين في الإدارة الأمريكية، فكرة إنشاء ممرات إنسانية في قطاع غزة، مما دفع مصر إلى الإعلان بشكل مباشر أن الخارجية الأمريكية لا تقبل التهجير القسري للفلسطينيين.
موقفان مؤثران للرياض وتصريحات متواصلة يؤكدان أن السعودية جادة في اعتبار أي تهجير قسري بمثابة إطلاق رصاص، ويقضي على أي أمل في سلام يعيد المنطقة إلى مربع الأمن والاستقرار. كما أكدت المملكة أن موقفها يبقى ثابتاً وراسخاً بأنه لا سبيل لتحقيق الأمن والاستقرار في فلسطين. إلا بتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بحل الدولتين لتمكين شعبها من الحصول على حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. ويقدر مراقبون أن مواقف المملكة من العدوان الإسرائيلي على غزة تقدم مساهمة فعالة في الرواية الإسرائيلية المتعثرة التي ضربت العالم بعد 7 أكتوبر. ووزراء الخارجية الأوروبيون يغيرون لهجتهم الآن، وإسرائيل في عدوانها لم تقدم حتى الآن قطعة واحدة دليلاً على تحقيق أهدافه العسكرية، ومشهد محرقة الأطفال والنساء جراء العدوان. لقد بدأ العالم في التعامل معها.
لذلك، حتى في رأي المراقبين، فإن صدام الدبلوماسية السعودية ساهم في إعادة التوازن الدولي، لكن ما يسأل عنه خبراء الحرب تحديدا الآن هو كيفية إنقاذ سمعة الضمير الدولي بعد أن تلاعب بها الإسرائيليون وكيف يمكن العودة إليها؟ إبداء الاحترام والتقدير للمنظمات والمؤسسات الدولية من الآن فصاعدا. والذي فشل في حماية أطفال غزة وأضعف النظام الدولي أخلاقياً وعملياً. وهذه بالطبع إحدى المشاكل الكبرى التي ستواجه المجتمع الدولي بعد انتهاء الحرب على غزة.
وجاءت كلمة ولي العهد أمام قمة البريكس لتضع النقط على الحروف؛ وهو ما دفع أحد الدبلوماسيين الغربيين في عمان إلى القول: إن «المملكة سعوديوم السعودية دولة ذات سيادة قوية وذات خبرة، ولها مكانة أخلاقية متقدمة ومكانة قوية على خريطة المجتمع الدولي. وهذا واضح بعد وقوع الدول الكبرى في فخ شرعنة حرب الإبادة الإسرائيلية وبعد القيم الأخلاقية التي لا تملك أدوات من أي نوع للتأثير على المسار الإجرامي الإسرائيلي”.
وتواصل (الرياض) مسارها الدبلوماسي من خلال جولات وزير الخارجية المكوكية إلى عواصم القرار وسط الألغام، وتحاول أن تبقى عند مستوى متوازن لا يقبل رد الفعل الإسرائيلي على قطاع غزة، لكنه من المستويات التي يمكن أن ليتم استثمارها لإعادة التسمية والرقم تحت العنوان الذي يستخدمه وزير الخارجية اليوم في تواصله مع الغربيين، على شكل سؤال استنكار بعنوان: «ألم نقل لكم أن حل الدولتين هو الحل؟» ألم نقل لك إن العودة إلى جذور الصراع أجدى؟ ألم نخبركم أن الانتهاكات تفتح المجال للتطرف والعنف؟