تفسير القرآن.. ما قاله القرطبي في “وأنفقوا في سبيل الله” – سعوديوم

واليوم نواصل الوقوف مع كلام الإمام القرطبي في تفسيره المعروف بـ “جامع أحكام القرآن وبيان ما فيه من السنة وما الفرقان” ونقرأ ما قاله في تفسير سورة البقرة في الآية 195 (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين).

قوله تعالى: “وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا”. إن الله يحب المحسنين». وفيه ثلاث مسائل:

الأول: روى البخاري عن حذيفة: وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. قال: نزلت في الإنفاق، وروى يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران، قال: فتحنا القسطنطينية، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن الوليد والروم ظهورهم. ضغط على سور المدينة، فحمل رجل على العدو، فقال الناس: مه مه! لا إله إلا الله ألقى يديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب: سبحان الله! نزلت هذه الآية فينا نحن الأنصار حين نصر الله نبيه وأظهر دينه. قلنا: تعالوا نعمر في أموالنا ونحسنها، فأنزل الله تعالى: وأنفقوا في سبيل الله. الآية، ورمي اليد إلى التهلكة هو أن نعيش في أموالنا ونحسنها ونترك الجهاد. فواصل أبو أيوب الجهاد في سبيل الله، ودفن بالقسطنطينية، وقبره هناك، فأخبرنا أبو أيوب بذلك. [ص: 337] وإلقاء النفس في التهلكة يعني ترك الجهاد في سبيل الله، ونزلت في ذلك الآية، وروي مثل ذلك عن حذيفة، والحسن، وقتادة، ومجاهد، والضحاك.

قلت: روى الترمذي عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران هذا الخبر بمعناه فقال: «كنا بمدينة الروم فأخرجوا لنا جيشا كبيرا» طائفة من الروم، وخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وكان أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد. فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري فقال : أيها الناس، أنتم تفسرون هذه الآية على هذا النحو، ولكن هذه الآية نزلت فينا نحن الأنصار، لأن الله عظّمها. وكثر الإسلام وأنصاره، فقال بعضنا لبعض سرا وليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ضاعت أموالنا، وأعز الله الإسلام وكثر أنصاره، فكثر أنصاره. فإن بقينا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع، فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستجيب لما قلنا. وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. وكان الدمار هو البقاء على المال وإصلاحه والتخلي عن الغزوة. وظل أبو أيوب ساعيا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح، وقال حذيفة بن اليمان وابن عباس وعكرمة وعطاء ومجاهد والجمهور: المعنى لا تلقوا أنفسكم بترك نفقاتكم. في سبيل الله وخوفاً على الأهل، فيقول الرجل: ليس عندي ما أنفقه، وذهب البخاري إلى هذا المعنى عندما لم يذكر غيره، والله أعلم. وقال ابن عباس: أنفقوا في سبيل الله ولو لم يكن لكم إلا سهم أو مقص، ولا يقولن أحدكم: لا أجد شيئا، ونحو ذلك عن السدي. : أنفق ولو بعيراً، ولا تلقي بيدك إلى التهلكة وتقول: ليس عندي شيء. وقول ثالث قاله ابن عباس، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر الناس بالخروج للجهاد، أتاه بعض البدو الموجودين بالمدينة فقالوا: ما يجب أن نستعد ل؟ والله ليس لنا رزق، ولا أحد يطعمنا، فنزلت قوله تعالى: وأنفقوا في سبيل الله أي تصدقوا يا أهل الوسائل في سبيل الله أي في طاعة الله. ، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة أي: ولا تكفوا أيديكم عن الصدقة فتهلكوا، وكذا قال مقاتل، ومعنى ابن عباس، ولا تمتنعوا عن الصدقة فتهلكوا. أي لا تمتنعوا عن الإنفاق على الضعفاء، فإنهم إذا تخلفوا عنكم غلبكم العدو وهلكتم. قول رابع – قيل للبراء بن عازب في هذه الآية: أهو الرجل الذي يحمل الكتيبة؟ قال: لا، ولكنه رجل يذنب فيرفع يديه ويقول: لقد أذنبت ذنبا كبيرا، ولا فائدة في التوبة. ثم ييأس من الله فيستغرق في الذنوب». [ص: 338] الذنوب ثم الهلاك: اليأس من الله، وقال عبيدة السلماني، وقال زيد بن أسلم: المعنى: لا تسافروا في الجهاد بغير زاد، وقد فعل ذلك بعض الناس، فأدى إلى الانقطاع عنهم. الطريق، أو أن تكون حرجاً على الناس، فهذه خمسة أقوال، طريق الله هاهنا. : الجهاد، واللفظ يخاطب بعد جميع طرقه، والباء في “بأيديكم” زائدة، والتقدير “ارم بين يديك”، ونظيره: “ألم يعلم أن الله يرى”. ” وقال المبرّد: “بأيديكم” أي بأنفسكم، فعبّر عن بعض الكل، مثل قوله: “بما كسبت أيديكم، بما قدمت أيديكم”، وقيل: وهذا مثل يقول: ألقى فلان يده في أمر كذا إذا استسلم؛ لأن الذي يستسلم في القتال يرمي سلاحه بيديه، فكذلك العاجز عن أي عمل.

ومن ذلك قول عبد المطلب: [والله إن إلقاءنا بأيدينا للموت لعجز] وقال بعض الناس: لا تلقوا أنفسكم إلى أيديكم، كما تقولون: لا تفسدوا حالكم برأيكم. والهلاك مع إضافة اللام هو مصدر «من هلك هلك وهلك وهلك» أي لا تأخذ ما يهلكك. وكذا قال الزجاج وغيره. أي أنك إذا لم تنفق تعصي الله وتهلك. وقيل: معنى الآية: لا تمسك بمالك، فيرثه منك غيره، فتهلك بحرمان نفسك من الانتفاع بمالك. ومعنى آخر: ولا تمهل فيذهب عنك الفوز في الدنيا والأجر في الآخرة. وقيل: ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة بأيديكم، أي: لا تنفقوا من أموالكم. حرام فيرجع إليك فتهلك، ونحوه عن عكرمة قال: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. قال: ولا تفعلوا الشر منه بالإنفاق. قال الطبري: قوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة عام في كل ما ذكر لأنه داخل فيه، إذ يحمله اللفظ.

الثاني: اختلف العلماء في دخول الرجل في الحرب وغزو العدو وحده. قال القاسم بن مخيمرة، والقاسم بن محمد، وعبد الملك من علمائنا: لا بأس أن يغزو الرجل جيشًا عظيمًا وحده إذا كان قويًا، والله له نية خالصة، وإذا لم تكن هناك قوة. القوة فيه. وهذا من صور الهلاك، وقيل: إذا طلب الشهادة وكانت النية صادقة فليحملها؛ لأن نيته منها، وهذا واضح [ص: 339] في قوله تعالى: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله. قال ابن خويز منداد: وأما الرجل إذا هجم عليه مائة نفس، أو جماعة من الجند، أو جماعة من اللصوص والمحاربين والخوارج، فله حالان: إذا كان عالما وأكثر ظنا. ويحتمل أن يقتل من اعتدى عليه فينجو، فحسن، وكذا. وإذا علم وغلب على ظنه أنه سيقتل، ولكن سيتعرض للنكاية، أو سيبلى، أو يكون له أثر ينفع المسلمين، فهذا جائز أيضاً. وبلغني أن جيش المسلمين لما واجه الفرس، هربت خيول المسلمين من الفيلة، فعمده رجل منهم، فصنع فيلاً من الطين، وسوى فرسه به حتى ألفه، فلما أصبح الصباح لم يفر فرسه من الفيل، فهجم على الفيل الذي كان يقوده، فقيل له: هو قاتلك، فقال: لا بأس بالقتل والنصر. فتح للمسلمين، وكذلك يوم اليمامة إذ تحصن بنو حنيفة في الجنة، فقال رجل من المسلمين: أدخلوني في الحجفة وألقوني إليهم، ففعلوا وقاتلوا. لهم وحدهم وفتحت المعركة. الباب.

قلت: ومن هذا ما روي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً؟ قال: الجنة لك، فتمازج في العدو حتى قتل. وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلو يوم أحد مع سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما تعبوه قال: : فمن ردهم عنا فله الجنة أو يكون رفيقي في الجنة . فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، فعذبوه أيضا، فقال: من ردهم منا فله الجنة، أو يكون رفيقي في الجنة. فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قُتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لم ننصف أصحابنا. وهكذا رواية (كنا عادلين) مع سكون الفاء (أصحابنا) مع فتح الباء، أي لم نوجههم للقتال حتى قتلوا. وروي بفتح الفاء ورفع الباء، ومعناه أنه عائد إلى من هرب منه من أصحابه، والله أعلم. وقال محمد بن الحسن: لو حمل رجل واحد على ألف رجل. وأما المشركون وحده فلا بأس في ذلك إذا تمنى النجاة أو بغض العدو، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه. لأنه يعرض نفسه للضرر دون نفع للمسلمين، فإذا كان قصده استجرار المسلمين ليفعلوا مثله، فلا يبعد جوازه. لأنه مفيد للمسلمين في بعض النواحي.

وإذا كان قصده إرهاب العدو وتعليم المسلمين قوامة الدين، فلا يبعد جوازه، وإن كان فيه نفع. [ص: 340] أما بالنسبة للمسلمين فقد اتجه إلى تقوية دين الله وإضعاف الكفر، فهو المقام الكريم الذي أثنى الله به على المؤمنين في قوله: «اشترى الله من المؤمنين أنفسهم الآية» بالإضافة إلى غيرها من آيات الحمد. الذي أثنى الله عليه من ضحى بنفسه. وعليه ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمنكر أنه إذا تمنى الانتفاع بالدين وتفرغ له حتى قتل كان في أعلى مراتب الشهداء. قال الله تعالى: وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك. فإن ذلك من حسم الأمور. وروى عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قال كلمة حق بين يدي رجل. الحاكم الظالم فقتله. سيأتي بيان حول هذا [آل عمران] إرادة قوية.

الثالث: قوله تعالى: وأحسنوا أي في الإنفاق في الطاعة، وأحسنوا الظن بالله في اختلافه معكم. وقيل: أحسن في عملك بالطاعة. وقد روي ذلك عن بعض الصحابة.


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى