
في الذكرى الـ 35 لعودة طابا، يرصد الخبير الأثري الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو لجنة المجلس الأعلى للثقافة والتاريخ والآثار، حالة طابا باعتبارها تجربة مصرية رائدة ظهرت فيها الوثائق التاريخية والخرائط والنماذج الطبيعية، واستُخدمت كتابات المعاصرين، والزيارات الميدانية، وشهادات الشهود، وأشرطة الفيديو، والصبر والمثابرة في استرداد الحق بشكل غير مسبوق. خلال كتاب “طابا قضية العصر” للدكتور يونان لبيب رزق.
طابا
ويوضح الدكتور ريحان أن المنطقة المتنازع عليها في طابا تمثل شرفة صغيرة من الأرض مطلة على رأس خليج العقبة، بمساحة 1020 مترا مربعا، ورغم صغر مساحتها إلا أنها كانت مسألة حياة أو موت بالنسبة لها إسرائيل. وهذا ما عبر عنه وكيل حكومة إسرائيل، روبي سيبل، في المرافعات الإسرائيلية في قضية طابا، قائلاً إنها ذات أهمية. وهي مهمة جدًا لمدينة إيلات وهي في الواقع إحدى ضواحيها. ولذلك أقاموا فيها استثمارات سياحية وبنية تحتية مدنية ليؤكدوا استحالة عودتها إلى السيادة المصرية.
والطرف الآخر تعمد تضليل وتزييف الحقائق. ومن خلال سيطرتهم على المنطقة من عام 1967 إلى عام 1982، قاموا بتغيير معالمها الجغرافية لإزالة علامات الحدود المصرية قبل حرب يونيو. وقاموا بإزالة مقدمة الجبل الذي يصل إلى مياه خليج العقبة وشقوا مكانه طريقا يربط بين إيلات وطابا. وكان على المصريين أن يبحثوا عن… هذه العلامة لم تعد موجودة، ولم يجدوا سوى مكان العلامة قبل الأخيرة، والتي ظنوا لفترة أنها الأخيرة.
ويتابع الدكتور ريحان أنه في 13 مايو 1985 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 641 بتشكيل (اللجنة الوطنية العليا لطابا) من أبرز الكفاءات القانونية والتاريخية والجغرافية. وهي اللجنة التي تحولت فيما بعد إلى هيئة الدفاع المصرية في قضية طابا، والتي أخذت على عاتقها مسؤولية إدارة الصراع في هذه القضية. القضية من الألف إلى الياء، باستخدام كافة الحجج لإثبات الحقيقة، وأهمها الوثائق التاريخية، والتي مثلت 61% من إجمالي الأدلة المادية التي جاءت من ثمانية مصادر.

العلم المصري في طابا
ونصت اتفاقية التحكيم على أن المحكمة ملزمة بتحديد مواقع العلامات الحدودية الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين في عهد الانتداب، أي في الفترة ما بين 1922 و1948. ورغم ذلك فإن البحث عن الوثائق يعود إلى ثلاثينيات القرن التاسع عشر. والوثائق في فترة ما بعد عام 1948 وحتى الحرب. يونيو ونتائجه. وتم البحث عن هذه الوثائق في الأرشيف الوطني بالقلعة، ووزارة الخارجية البريطانية، والأرشيف العام بلندن، ودار الوثائق بالخرطوم، ودار الوثائق بإسطنبول، وأرشيف الأمم المتحدة بنيويورك. وقد ضم الكتاب كتاب “آثار سيناء – جزيرة فرعون قلعة صلاح الدين الأيوبي”. وقد أصدرته هيئة الآثار المصرية عام 1986 كوثيقة تاريخية.
ويشير الدكتور ريحان إلى أن الوفد المصري لم يقبل الموقع الذي حدده الجانب الآخر من العلامة 91، وأصروا على الصعود إلى مستوى أعلى. وهناك عثر المصريون على بقايا القاعدة الحجرية للعلامة القديمة، لكنهم لم يجدوا العمود الحديدي المدفون في القاعدة والذي يحمل عادة رقم العلامة. اندهش الإسرائيليون عندما عثروا على القاعدة. وكانت الصدمة الكبرى لهم عندما نجح أحد الضباط المصريين في العثور على العمود الحديدي على منحدر شديد الوعورة، حيث نزل وحمله إلى أعلى. وكان طول هذا العمود 2 متر، وعرضه 15 سم، ووزنه ما بين 60 و70 كيلوغراما. وكان عليها الرقم 91، وأمام هذا الوضع، لم يكن لدى أي عضو في الوفد الإسرائيلي أي ممتلكات. وقال هو نفسه إن الطبيعة لا تكذب أبدًا، وأصبح من الواضح من الناحية الفنية أن العمود والقاعدة قد أزيلا مؤخرًا. ورغم ذلك رفضت إسرائيل الاعتراف بهذه العلامة حتى وافقت على التحكيم في 13 يناير 1986.
وفي يوم الخميس 29 سبتمبر 1988، وفي قاعة مجلس مقاطعة جنيف، حيث تعقد جلسات المحكمة، دخلت المحكمة بقيادة رئيسها القاضي السويدي غونار لاغرغرين، لتنطق بالحق وعودة الأرض. لأصحابها بحكم تاريخي بأغلبية أربعة أصوات، والاعتراض الوحيد كان من القاضي الإسرائيلي طبعا. ويقع الحكم في 230 صفحة، وقد تم تقسيم حيثيات الحكم. وهي ثلاثة أقسام: الأول إجراءات التحكيم، ويتضمن اتفاق التحكيم، وخلفية النزاع، والحجج المقدمة من الطرفين. والثاني أسباب الحكم، ومنها قبول الطلب المصري بالعلامة 91، والحكم لمصر فيما يتعلق بمواقع العلامات الأربع. والثالث منطوق الحكم في صفحتين، والذي جاء في الفقرة رقم 245: “النتيجة – بناء على الاعتبارات السابقة، تقرر المحكمة أن علامة الحدود 91 في الوضع الذي قدمته مصر والمحددة على الأرض كما هو مسجل في الملحق (أ) من ميثاق التحكيم.” تم رفع العلم المصري على الجزء الذي تم انتشاله من طابا في 19 مارس 1989.
ويشير الدكتور ريحان إلى مقومات السياحة في طابا، ومنها السياحة الأثرية والبيئية، وسياحة السفاري والترفيهية، وتجسيدا للسياحة الأثرية هناك قلعة صلاح الدين الأيوبي التي تقع وسط جزيرة ساحرة تسمى جزيرة فرعون. الجزيرة أو جزيرة المرجان. أنشأه صلاح الدين الأيوبي سنة 567هـ/1171م، ويضم مرافق دفاعية من أسوار وأبراج وفرن لتصنيع الأسلحة وقاعة. اجتماعات عسكرية ومؤن لغرف الجنود وفرن خبز ومخازن حبوب وحمام بخار وخزانين للمياه ومسجد أنشأه الأمير حسام الدين باجيل بن حمدان.
سياحة السفاري في الوادي الملون الذي يبعد عن طابا مسافة 30 كم على طريق طابا النقب. ويبلغ طوله 250 مترًا، ويتراوح ارتفاعه من 3 إلى 6 أمتار. وعرضه في بعض أجزائه يسمح بمرور شخص واحد فقط، ويحتوي هذا الوادي على شعاب مرجانية متحجرة، مما يدل على أن سيناء كانت تقع تحت سطح البحر في العصور الجيولوجية القديمة. يضم هذا الموقع نقطة مرتفعة تعرف بالبانوراما يستطيع السائح من خلالها رؤية جبال السعودية والأردن وجزء من خليج العقبة، بالإضافة إلى الرسوم الصخرية على طريق النقب طابا والتي تمثل متحفا مفتوحا لآثارها. لوحات صخرية شكلتها أيدي الطبيعة في الوادي الممتد من النقب إلى طابا.
وأضاف الدكتور ريحان أن السياحة البيئية والمناظر الطبيعية تجسدت في منطقة المضيق التي تبعد عن طابا 10 كيلومترات، والتي تم فيها تصوير فيلم “الطريق إلى إيلات”. وهي نتوء من خليج العقبة يمتد إلى بر سيناء لتشكل منطقة أقرب إلى ثلاثة أرباع الدائرة، وتوجد السياحة الترفيهية في منطقة مرتفعات طابا ولها شهرة عالمية، وتبعد 25 كم عن مطار النقب الدولي، يقع على بعد 200 كيلومتر من شرم الشيخ، وهو حجر جيري مرجاني ذو أصل عضوي ويتكون من أجزاء من هياكل عضوية مشتقة من المرجان والطحالب الحمراء وشوكيات الجلد والرخويات. يمثل أجمل مثلث غوص عالمي في سيناء والعالم والذي يضم رأس محمد ودهب وطابا.