
إلى متى سيستمر الفراغ الرئاسي في لبنان؟ إن انتخاب رئيس في لبنان يكاد يكون أصعب مما يتصور البعض. ولم يعد الأمر مرتبطا بممثلي البرلمان ومن سيصوتون له، أو بهوية المرشح وشبكة تحالفاته. بل إن الأمر أصبح معقداً إلى أبعد من هذا بكثير.
أصبح انتخاب رئيس لبنان مرتبطا بشكل وثيق بما يجري في الحرب الأوكرانية، وبما يجري على الحدود الأردنية السورية. كما أصبح هذا الاستحقاق مرتبطا بما يحدث في غزة.
كل المبعوثين الدوليين – الغربيين والعرب – ينصحون المسؤولين اللبنانيين عند لقائهم بهم بضرورة الإسراع بانتخاب رئيس، وكل المسؤولين اللبنانيين يؤكدون في مقابلاتهم الصحفية على ضرورة انتخاب رئيس، لكن كلام الليل يمحى نهاراً، فلا المجتمع الدولي مستعد للضغط بفعالية في هذا الاتجاه، ولا الأطراف اللبنانية الداخلية كذلك. جاهز للحوار لاستكمال هذا الاستحقاق.
علنياً، لا يوجد سوى مرشح واحد لرئاسة الجمهورية: الوزير السابق سليمان فرنجية الذي يتمتع بدعم الثنائي الشيعي. أي حركة أمل وحزب الله. خلف الكواليس، يتم تداول اسمين ينتميان إلى المؤسسة العسكرية والأمنية. الأول قائد الجيش جوزف عون، والثاني مدير عام الأمن العام اللواء الياس البصاري. الأول، أي قائد الجيش، يحتاج إلى تعديل دستوري حتى يتم انتخابه، أو على الأقل انتخابه. ويصوت لصالحه ما لا يقل عن 58 نائباً من أصل 127، الأمر الذي يتطلب إجماعاً سياسياً واسعاً ورغبة دولية قوية.
حقق سليمان فرنجية، في الأيام الماضية، نقاطاً رئاسية بارزة. الأول تمثّل بتقربه من قائد الجيش جوزف عون عبر بوابة امتداد الأخير، والثاني جاء في عشاء عائلي جمعه بالزعيم الدرزي وليد جنبلاط في منزل الأخير في بيروت.
نقطتان أضيفتا إلى سجل فرنجية في السباق الرئاسي، لكنهما غير حاسمتين، إذ يواجه الرجل فيتواً من القوى المسيحية الكبرى. أي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. أما قائد الجيش، فتتمحور أزمته الرئاسية حول كون خصومه حاسمين في موقفهم وعلى رأسهم النائب جبران باسيل، في حين أن غالبية مناصريه مترددون وغير حاسمين، وهو ما لا يسمح له بتأمين الأغلبية الدستورية لرئاسة الجمهورية. انتخابه.
رئاسة الجمهورية في لبنان، بعيداً عن كل النقاط واللقاءات، ليست خاضعة لفرز الأصوات هذه المرة. الأصوات البرلمانية في هذه المعركة هي وجهة نظر قابلة للتقلب والتغيير عند أي مفترق طرق أو نضج. حزب الله، الذي يملك القرار اللبناني، يؤكد ويكرر بشكل مباشر وعبر وسطاء أنه لن تكون هناك انتخابات رئاسية قبل وقف إطلاق النار. النار في غزة، ولا يوجد فصل للمسار الرئاسي عن المسار الإقليمي، فيما سرت في بعض أوساطه أن عرضاً أميركياً قد تلقاه الحزب لانتخاب سليمان فرنجية مقابل التهدئة على الحدود مع إسرائيل. فعاد الحزب نفسه، عبر وسطاء، لينفي مثل هذا العرض بحجة أن انتخاب فرنجية كان في متناول الحزب، فكيف يمكن المساومة عليه؟ ؟
ومن المرجح أن يبقى المقعد الرئاسي في قصر بعبدا شاغراً لعدة أشهر وأشهر. لا شعاع نور ينير طريق بعبدا، مثل كثير من طرقات بيروت التي يخيم عليها الظلام بسبب انقطاع التيار الكهربائي، فيما قال مصدر سياسي رفيع في جلسة خاصة: “عندما يتوقف العدوان على غزة، سيبدأ العدوان على الرئاسة”. لبنان حيث نتائج هذه الحرب ستحدد هوية الرئيس القادم”.