
وكأن موسم الأحزان قد ضرب موعداً في أرض النيل. وما إن يستيقظ الناس من مأساة واحدة حتى تتبعها مأساة أخرى أكثر تدميرا. انهارت الأشجار ذات اللون البني الغامق مثل تفكك حبات المسبحة بعد أن تلاشى ضوءها ونضجت السماء السودانية وظللت.
“أنت تغني، أو أنا أغني.” إما أن تدعني أغني أو أتركك تغني، هذا ما قاله المطرب رقم واحد محمد الأمين. وأصبح مقولة الحب “ترند” في ذلك الوقت وانتشرت في جميع أنحاء العالم. كل جمهور جاء للاستماع إلى أغانيه كان يحفظها عن ظهر قلب ويرددها، محطماً بذلك الحاجز. “الرتم.”
النجم الأدنى الذي يجمل جمال الحياة في اللحن والموسيقى والأداء، بعد 60 عاما من الفن والغناء في شكل حب وحرية، هو نجم لن يتكرر. وسيتغنى شعب نهر النيل بتراثه، بل وكل الشعوب التي تتكلم السلم الخماسي، ابتداء من القرن الأفريقي إلى الصين.. وإيمانا منها بأن الأغنية خير سفير تغنى بشكل جميل. صوت الأرض “طلال مداح” يا نعيم العود أسس جسراً للتلاقي العاطفي بين الشعوب، وكان لـ”ود الأمين” دور كبير في تطوير الموسيقى السودانية ونشرها خارج أرض السودان نهر النيل.
محمد الأمين، أيقونة الغناء والموسيقى السودانية المعاصرة، والأكثر شهرة وشعبية، ينعي “مساجد الدنقل” ومساجد الطين. وبرحيله غاب ركن الإبداع الذي ليس من السهل أن يتكرر في زمن الشدة والضيق.
ولد محمد الأمين حمد النيل الطاهر الأزرق في 20 فبراير 1940 بقرية ود النعيم التي تبعد 20 كم جنوب غرب مدينة ود مدني بولاية الجزيرة. أتقن الناي ثم العود، وهو ما أتقنه عندما لم يتجاوز عمره 12 سنة، كما هو الحال مع العباقرة.