
تأخذ الكتابة المسرحية في ديوان شريف عبد المجيد «احتمالات» بعدًا آخر يعتمد على فكرة الإمكانات، إذ يوقظ عبد المجيد الإمكانات باعتبارها محورًا للعمل الفني ومصدرًا للإبداع. ورغم أنه يترك بصمته على اكتشافه أن النص ليس إلا مجموعة من الاحتمالات، فإنه ينشرها أيضًا في سياق فني يتغزل من خلاله بستة احتمالات في مسرحية واحدة، هي الأخيرة في المجموعة المسرحية التي أصدرها اللواء المصري. هيئة الكتاب.
ورغم أن المتعة كبيرة في فعل “الاحتمالات ووصفها ومدها على الخط الأطول”، إلا أنه لم يفعلها أحد من قبل بوضع كل هذا الكم من الاحتمالات في مسرحية واحدة، كما فعل شريف عبد المجيد في مسرحية ” الاحتمالات.” وهذا ليس نوعاً من التجريب بقدر ما هو اشتغل على النص، واشتغل على المعنى، وتجاوز الحيلة الفنية ليصبح أسلوباً فنياً في التعبير.
فهل ابتكر شريف عبد المجيد أسلوبا فنيا في التعبير؟ نعم، يمكن اعتبار هذا الأسلوب الذي نشره أسلوباً جديداً معتمداً للتعبير الفني في سياقات الإبداع المختلفة.
تتصدر فرقة «احتمالات» المسرحية، بدءاً من العنوان، مروراً بالمواقف المختلفة التي يقدمها الكاتب في كل مسرحية. إنها المجموعة ككل يسيطر عليها عنصر متميز وهو عنصر الدقة. ولعل ما يثير الدهشة أن شريف عبد المجيد لم يكتب هذه المسرحيات الثلاث مؤخرًا، بل كتب «الوصية» و«الوصية». “الزوجان والكونشيرتو الإذاعي” منذ فترة، وأضاف إليها “احتمالات”، وهي المسرحية الثالثة في المجموعة.
في مسرحية الاحتمالات، يجعلنا شريف نتساءل بعد صياغة جوانب المثلث الدرامي: الزوج والزوجة والغريب: هل الغريب لص يدفع له طرف واحد؟ هل هو اللص الذي صادف وجوده هناك؟ هل هم زوج أم زوجة تخون زوجها؟ أم زوج يريد توريط زوجته والتشهير بها؟ ومن خلال فرقة مسرحية تعلق على الحدث وتجعلنا نراه في كل مرة بشكل مختلف. إنه نص يحاول التجريب بعيدا عن الشكل المسرحي التقليدي.
أما النص الثاني في المجموعة فكان بعنوان «الوصية»، ويدور حول فتاة عانس تتحدث مع والدتها طوال الوقت في حوار من طرف واحد. ورغم أن اللعبة التي لعبها شريف عبد المجيد بجعل الحوار من طرف واحد كانت غريبة، إلا أنها أيضًا تشحذ ذهن المتلقي وتجعله يتخيل ما يمكن أن يكون حول ذلك. الحوار من جانب واحد.
الجانب المشرق من هذه اللوحة الفنية هو الدقة. تدرك منذ البداية أن الحوار أحادي الجانب، لكنه حوار محكم رغم ذلك، وكأن هناك صدى لصوت يردد الجانب الآخر منه.
وبعد فترة ستكون قد أدركت أحد احتمالين: إما أن الفتاة تجري حواراً خيالياً، أو أنها تجري حواراً مع جثة، ومن هنا ينتابك شعور ممتع تجاه هذا الحوار. لكن الأحداث تأخذ منحى آخر عندما تنضم جثة أخرى إلى الجثة الأولى، في مفارقة جديدة وهي أن الفتاة تجري معها حوارا. واحدة أخرى حتى تعتقلها الشرطة.
وفي المسرحية الثالثة يلعب الحوار دور البطولة، وهو حوار بين زوجين في منتصف العمر يدور بنفس الوتيرة طوال الوقت، لكنه حوار محكم يبني نفسه على فكرة الخروج من الأزمة المالية إلى فضاءات الوفرة المفتوحة من خلال حوار يستمد أهميته من كونه واقعيا وتدور أحداثه في أغلب بيوت الطبقة المتوسطة، لكنه يجري بوتيرة يتحكم فيها اللعب الأدبي، والحبكة، والحوار الوثيق الذي يؤدي إلى الاستمتاع الخالص.
في هذه المجموعة يسخر شريف عبد المجيد كعادته من غموض اللحظة الراهنة من خلال مفارقات كوميدية، بمهارات واضحة تظهر في حيوية الحوارات. يضاف إلى ذلك المعرفة الواضحة بفن المسرح والدقة الكبيرة التي فرضت نفسها على الحوارات بشكل خاص. لا توجد كلمة زائدة أو كلمة مفقودة في الحوار، وقد يكون هذا بسبب ذلك. من قدرة شريف عبد المجيد على الاختصار التي اكتسبها من احترافه في فن القصة.
يُذكر أن شريف عبد المجيد سبق له أن نشر العديد من الأعمال الأدبية الإبداعية، منها مجموعات قصصية: قسم جديد من أسطورة قديمة، خدمات ما بعد البيع، فارق التوقيت، الجريمة المثالية، التاكسي الأبيض، سولو الخليفة، حجم عائلي، و آحرون.