
جسد الكاتب الكبير الراحل بهاء طاهر الألم الفلسطيني في رواية «الحب في المنفى» التي تدور أحداثها في أوائل الثمانينات، يرويها صحفي مصري ناصري في الخمسين من عمره، قبل وبعد الاحتلال الإسرائيلي لبيروت.
يقول بهاء طاهر في وصفه للأحداث التي تلت مجزرة صبرا وشاتيلا، واصفا مشاهد مشابهة لما شاهدناه في التلفزيون على لسان أبطال الرواية: “قال بصوت يحاول التهدئة: سيدات وسيدات”. أيها السادة المشاهدين.. خلال عشرين عاماً من العمل، هذه هي الرسالة التي تمنيت ألا أنقلها لكم..
إلا أن صوته يرتعش وهو يقول: هذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها الكاميرا مخيم صبرا بعد المجازر التي تعرض لها الفلسطينيون خلال الأيام الماضية...
ثم تتحرك الكاميرا في صمت. يتجول في الأزقة الضيقة. وفي وسط المنازل المدمرة، تبرز قضبان حديدية ملتوية وبقايا أثاث مكسور، لكن لا يوجد أي مؤشر على أي حركة للحياة. ثم تتباطأ الكاميرا أثناء نقل الصور من بعيد.
أكوام من الجثث ملقاة على الأرض.
جثث بعد جثث. وجثث على جثث..
كومة من الجثث المختلطة لرجال ونساء ملقاة على وجوههم وجوانبهم وظهورهم.
كومة أخرى من النساء والأطفال مستلقون على ظهورهم وأرجلهم متباعدة..
كومة ثالثة من جثث الرجال المنتفخة وكأن جلودهم وملابسهم ستنفجر في أي لحظة.. برك من الدم المتخثر تحت الرؤوس وحول الأجساد..
أجساد أخرى من الرجال والأطفال تتعانق بأذرع ملتوية..
جسد محطم، نصفه العلوي فقط يتدلى من بين الركام، ورأسه مطروح في الأرض، ورقبته مشقوقة من الخلف...
فتاتان صغيرتان بجانب بعضهما البعض، نصفهما العلوي عارٍ. حاول أحدهم تغطية نصفه السفلي بصحيفة مفتوحة لكنه لم ينجح. الأرجل الصغيرة تبرز على نطاق واسع..
تهتز الكاميرا عليهم وتقترب قليلاً. إحدى الفتاتين تعاني من ثقبين في مكان العينين مع تجلط الدم فيهما.
كومة من الجثث وأذرعهم ممدودة بجوار جدار منهار، وكأنهم يتسلقون فوق بعضهم البعض. وكانت هناك ثقوب رصاص في الجدار وخطوط طويلة من الدم. كانت الأصابع المجروحة تتشبث قبل أن تسقط...
ويبدو أن الجثث ساجدة بجوار حصان أبيض ملقى على جانبه، مع وجود جرح كبير في بطنه، وساعديه منتفختان وذيله لا يزال يرتعش. وبجانبه رجل عجوز أشيب تبرز ساقاه النحيلتان من رداء أبيض، بجوار عكاز تمتد إليه يده وثقب دموي في رأسه..
يوجد على الحصان ذباب كبير، وعلى الجثث ذباب كثير.