
في مثل هذا اليوم 12 ديسمبر سنة 1904، رحل عن عالمنا الشاعر المصري محمود سامي البارودي، أبرز مبدعي الشعر العربي والرجل الوطني الذي دفع ثمنا باهظا. رحل أحباؤه وتدهورت صحته نتيجة المعاناة والنفي. ولهذا نستعرض ما ذكره عن رحلته في المنفى؟
يقول الكاتب الكبير سعيد الشحات في “يوم واحد”: أقلعت السفينة من ميناء كولومبو بسريلانكا في الأول من سبتمبر عام 1899 وعلى متنها الشاعر محمود سامي البارودي عائدة إلى مصر بعد 17 عاما في المنفى . 17 لقد كانت فترة صعبة عليه وعلى كافة قيادات الثورة. المنفيون العرابيون بعد هزيمة “الجيش العرابي” في التل الكبير في 13 سبتمبر 1882 هم: أحمد عرابي، طلاب عصمت، عبد العال حلمي، محمود سامي البارودي، علي فهمي، محمود فهمي، و يعقوب سامي (انظر مذكرات أحمد عرابي – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة).
وتابع الكاتب الكبير سعيد الشحات، أنه عندما بلغ محمود سامي البارودي الستين من عمره عام 1899، هاجمه المرض، وقررت نقابة الأطباء في سرنديب أن يعود إلى وطنه، لأنه سيصاب بالعمى إذا أصيب بالعمى. وبقي في الجزيرة وقد يدركه الموت، كما يقول الدكتور علي الحديدي في كتابه “محمود سامي البارودي”. “شاعر النهضة”: “ينزعج أصحاب البارودي وعائلته في القاهرة ويحثونه على تقديم التماس إلى الخديوي عباس الثاني للسماح له بالعودة، والشيخ محمد عبده يبذل كل ثقله ومجهوده لإنقاذ صديقه، و والجهود تتكلل بالنجاح”. وتصل السفينة معه ومع عائلته التي تكونت في المنفى إلى ميناء السويس في يوم 12 سبتمبر (في مثل هذا اليوم) من سنة 1899، وبحسب الحديدي: “ووقف على سطح السفينة “السفينة متجهة نحو مصر، ممسكة بدرابزين السفينة، والدموع تنهمر على خديه، ولا يجرؤ أحد على الاقتراب منه، لتقطع لحظة اللقاء مع وطنه الحبيب.”
أما محمود سامي البارودي فتحدث عن رحلته إلى الغربة قائلاً: عندما فرّقتني ويلات الزمن عن أهلي ووطني، وتحققت كلمة الوداع، وأصغى كل وداع مجيب، تحرك الفلك معنا المشايخ حسب تقدير من له الملك. ولما وصلنا إلى أعماق البحر، وغشانا ضباب الهم، سيطر البحر. تزأر وتموج، والريح تهب وتهب، والزنزانة يومض ويرعد، والموت يقترب ويبعد، والفلك بين صعود وهبوط، والشعب بين أمل ويأس، فثبتت الأبصار، وخرج المساعدون. غابوا، وجاء الخوف، واستولى الجزع، وملأت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر، هناك دعا ربهم الغافلين، ولفّت به أذنابهم، وما رأيت إلا مرتدًا لم ينطقون بكلمة كأنما أظلمتهم الرعشة، أو غلبتهم حالة الرعشة. لقد كانوا مخدرين للغاية من الارتباك لدرجة أنك اعتقدت أنهم مستيقظين أثناء نومهم. وظل الألم يعذبنا، يقبض على أكمامنا من الحزن، حتى كادت أرواحنا أن تضيع، وأنهك الموت أظافرنا، ونحن في وعاء. وليس لنا إلا الدعاء، وبقينا على هذه الحال ثلاثة أيام لم نجد فيها حياة، فكيف ننجو ولا مفر؟ وبعد ذلك هدأت هبوب الريح، وهدأت ثورة ابن بريح، وانكشفت السماء بنورها، وتصالح الماء والهواء، وهدأت النفوس في الصدور، وتنفس كل صدر. ولم يبق إلا سوق الأحاديث قديمها وحديثها، وكان الفلك يطلع الفجر بذروته، وكنا في الشهر على وتيرته، حتى انتهى الزحف عندنا، وظهرت الصدفة أمامنا عيون.
أما عن رحيله، أوضح الكاتب الكبير سعيد الشحات أنه في 12 ديسمبر «مثل هذا اليوم» 1904، كما يؤكد الحديدي: «اهتزت مصر حزنًا ومأساة، وفقدت في البارودي أحد أبنائها». أبنائي الأعزاء، رائد النهضة الأصيلة في الشعر، وفنان”. لقد نفخ الحياة في الأدب العربي كله، وكان مناضلاً ثائراً حاول تخليص بلاده من ظلم الاستبداد ومنحها الحرية والاستقلال. وجاءت وفاته وعمره 65 عاما، “من مواليد 6 أكتوبر 1839”، وبعد خمس سنوات من عودته إلى مصر، في 1 سبتمبر 1899، بعد أن أمضى 17 عاما. سنة في المنفى كانت فترة صعبة عليه وعلى جميع زعماء الثورة العرابية التي انتهت بهزيمة جيش عرابي في “التلة الكبرى” في 13 سبتمبر 1882، فعوقبوا بالنفي إلى جزيرة عرابي. سيلان، وكان واحدا منهم. “انظر: مذكرات أحمد عرابي، دار الكتب والمحفوظات الوطنية.” القاهرة”.