ومن النطاقات المعرفية والثقافية التي أدرجتها مكتبة الملك عبد العزيز العامة في استراتيجيتها الثقافية، الحفاظ على التراث العربي والإسلامي، من خلال توثيقه وأرشفته وفهرسته، وعرض هذا التراث بعناصره المختلفة على القراء والباحثين والدارسين، حيث يمكنهم الاطلاع على أبرز ما فيه، وإضافة ذلك إلى مصادرهم ومراجعهم التراثية. ومنذ تأسيسها قبل أكثر من 40 عاماً وهي تعمل على توفير هذه المعرفة النوعية، مع العمل على تحديثها وتطويرها بشكل مستمر وفق برنامجها الثقافي في توفير مصادر بحثية متجددة وتجديد المواد والمجموعات التي تطور البحث العلمي في هذا المجال.
ولا تكتفي المكتبة بأداء هذا الدور، بل تعمل على عرض مقتنياتها التراثية النادرة أمام الجمهور، خاصة عندما يتعلق الأمر بمناسك الحج، وإبراز اهتمامها الكبير بالتعريف به وبالحرمين الشريفين في مكة حيث بني أول بيت للناس، وفي المدينة المنورة حيث يقع مسجد خاتم الأنبياء والمرسلين، المسجد النبوي.
ومن خلال هذا الاهتمام الكبير الذي يجسد رؤية حضارية مميزة، تندرج ضمن رؤية المملكة 2030 ورعاية ما تتمتع به المملكة من آثار وتاريخ وتراث وسياحة ثقافية لا مثيل لها، أطلقت مكتبة الملك عبد العزيز العامة العرض الأول في الرياض لفيلم “أعظم الرحلات.. الحج إلى مكة: على خطى ابن بطوطة”. وحظي الفيلم الوثائقي التاريخي بإشادة كبيرة من المتابعين والعلماء والباحثين، حيث حقق الفيلم صدى عالمي مع عرضه في دور السينما ذات الشاشات الكبيرة حول العالم.
ويربط فيلم ابن بطوطة بين الماضي والحاضر، حيث يعرض مشاهد من مناسك الحج في العصر الحديث، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الجهود الكبيرة التي بذلتها المملكة لإعادة بناء الحرمين الشريفين وتوفير كافة سبل السهولة والراحة لحجاج بيت الله الحرام.
وشارك في هذا العمل أكثر من 2000 شخص من 24 دولة، حيث تم استلهام رحلة ابن بطوطة إلى مكة خلال القرن الرابع عشر الميلادي كخلفية تاريخية للفيلم، وأبرزت محتويات الفيلم أبعاده كرسالة سلام وتسامح.
ويتناول الفيلم رحلة الحج ومناسكه، وهو من إنتاج شركة عالمية متخصصة في مجال إنتاج وتصوير الأفلام الوثائقية. ويتم عرضه على شاشة عرض عملاقة بنظام الصوت والفيديو عالي الجودة (IMAX). وتم تصوير مسيرة الحجاج ودخولهم مكة جواً وبحراً وبراً. مدة الفيلم (45) دقيقة.
وسبق أن عُرض الفيلم -من إنتاج المكتبة- في عدد من العواصم العالمية، منها نيويورك وباريس ولندن وسنغافورة وجاكرتا ودبي، وحصل على ثلاث جوائز في مهرجانات هيوستن وبوسطن وباريس. وتُرجم الفيلم إلى عدد من اللغات العالمية، منها الفرنسية والروسية والتركية، بالإضافة إلى اللغتين الإنجليزية وسعوديوم.
الذاكرة البصرية
تحتفظ المكتبة بمجموعات من الصور الفوتوغرافية التاريخية التي لم يتم نشرها من قبل، ومن أبرزها: مجموعات عن المملكة والعالم العربي بشكل عام، منها المجموعة الأولى والأكثر شهرة التي صورها اللواء محمد صادق باشا، والتي تتضمن صورة عالمية للحرمين الشريفين في مكة والمدينة، ولا يوجد منها سوى ثلاث نسخ في العالم.
كما تحتوي على (365) صورة للحرمين الشريفين غير منشورة سابقًا مع أصولها، التقطها المصور المصري العالمي أحمد باشا حلمي، الذي كلفه الملك فاروق بتصوير الحرمين الشريفين أثناء دخول الملك عبد العزيز مكة والمدينة، بالإضافة إلى مجموعة من الألبومات التي تصور سكة حديد الحجاز وبعض مناطق المملكة.
ويعتبر أحمد ميرزا أول مصور هندي محترف قدم إلى الأراضي المقدسة للحج عام 1325هـ/1907م، حيث أصدرت المكتبة كتابه: “رؤية الحرمين الشريفين ومظاهر الحج بعدسة الحاج أحمد ميرزا”.
يتضمن الكتاب الذي يقع في 240 صفحة مقدمة عن الحرمين الشريفين في الخرائط القديمة، والرسومات القديمة والمنمنمات، والصور الأولية، والصور الفوتوغرافية في الهند.
حصلت مكتبة الملك عبد العزيز العامة على مجموعة من الصور الفوتوغرافية القديمة والأصلية للمصور البرازيلي العالمي هومبرتو دا سيلفيرا، وعددها 165، جمعها المصور الذي سافر في جميع أنحاء المملكة لمدة اثني عشر عامًا. أنتج مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي توثق الأماكن التاريخية في المملكة قبل مرحلة التحديث المعاصر، بما في ذلك صور الحرمين الشريفين. وتكتسب هذه الصور أهمية لأنها تساهم في تعريف الأجيال القادمة وتعريفهم بتاريخهم والعادات السائدة في المملكة في ذلك الوقت. كما حصلوا على الرعاية والاهتمام الدولي. معرضان كبيران عندما شارك فيهما المصور عارضا في كبرى المعارض العالمية: معرض معهد العالم العربي في باريس، والآخر في متحف الإليزيه في لوزان. ومن هنا يبرز الدور الكبير لهذا المخزون المعرفي الذي تمتلكه مكتبة الملك عبد العزيز العامة، والذي يعتبر أهم التراث الوثائقي المصور والمخطوطي لهذا الموسم الديني العظيم الذي يجتمع فيه المسلمون من كل أنحاء العالم للتعارف، وأداء مناسك الحج، وأداء مناسك الله.
