من أين جاءت ومن المؤسس؟..رحلة “الحشاشين” من التأسيس إلى قلعة “ألموت” – سعوديوم

بدأ المؤسس حسن الصباح حياته في البحث عن العلم والمعرفة.. وتنقل بين عدة دول.. وعاش في مصر 3 سنوات اشتبك خلالها مع بدر الجمالي وغادر إلى إيران.

إن التاريخ الطويل لحركة الحشاشين دفع الكثيرين إلى وصفها بأنها أخطر حركة سرية شهدها العالم الإسلامي على الإطلاق، نظرا لتأثيرها الواسع على المجتمع الإسلامي خلال فترة بالغة التعقيد، هيمن عليها الصراع بين مختلف الأيديولوجيات. والجماعات السياسية، وحتى بين مختلف الدول الكبرى في العالم في ذلك الوقت.

تعود الأصول الأولى للحركة الحشاشين إلى الحركة الشيعية في الإسلام، التي انقسمت إلى طائفتين كبيرتين عند وفاة الإمام جعفر الصادق الإمام السادس سنة 148هـ. وكان الإمام جعفر قد عهد بالإمامة إلى ابنه الأكبر إسماعيل، إلا أن إسماعيل توفي في حياة أبيه جعفر الصادق، وهنا نشأ خلاف بين الشيعة بشأن انتقال الإمامة إلى محمد بن إسماعيل، أو هل الإمام جعفر الصادق هو من تولى الإمامة؟ -هل يحق للصادق أن ينقلها إلى أحد أبنائه موسى الكاظم؟

ومن هنا سلمت جماعة يقودها ميمون القداح الإمامة إلى محمد بن إسماعيل وقالت إن الإمام جعفر لا يحق له أن ينقل الإمامة إلى ولد آخر من أبنائه، في حين أن الإمام جعفر فعلا نقلها إلى ابنه الآخر موسى القداح. -كاظم. وكانت هذه شهادة ميلاد الطائفتين الشيعيتين الرئيسيتين، “الإسماعيلية والإثني عشرية”. العشرية . وكان الإثني عشريون هم الذين أيدوا إمامة موسى الكاظم. أما الإسماعيلية وعلى رأسهم ميمون القداح فقد قادوا الإمامة إلى محمد بن إسماعيل. ولما توفي ميمون حوالي سنة 198هـ، خلفه ابنه عبد الله في الدعوة لبني إسماعيل. الحركة بعد وفاة إسماعيل دخلت في «دور». “الستر”، وبدأت أسسها الفكرية تنمو وتترسخ، حيث عمل رجالها على تأليف أعمال نظرت إلى دعوتهم ودعت إليها، وفي هذه الفترة الغامضة التي امتدت من وفاة إسماعيل حتى ظهور عبيد الله وظهر مؤسس الدولة الفاطمية مجموعة رسائل إخوان الصفا التي أشرف على كتابتها الإمام أحمد. أحد الأئمة الغائبين، بحسب ما جاء في كتاب “أسرار الباطنة وطوائف الباطنة..الحركة الحشاشين” لمحمد عثمان الخشت.

وطوال فترة الإخفاء التي تعاقب فيها ثلاثة من الأئمة الغائبين، لم تحقق الدعوة نجاحاً كبيراً إلا بظهور عبيد الله المهدي الذي يعتبر ظهوره أعظم نجاح حققته الدعوة الإسماعيلية، ويمكنه ولا يقاس إلا بنجاح الدعوة الأولى في شق الخلافة الأموية.

وعلى الرغم من نجاح الحركة الإسماعيلية (وهي الحركة التي ستنبثق منها الحركة الحشاشين) في إقامة دولتها في المغرب الإسلامي، إلا أنها فشلت في نشر فلسفتها وتعميم معتقداتها، لدرجة أن كل أثرها الفكري اختفى مع زوالها. واختفاء نفوذها السياسي. وفي تناقض تام مع ذلك نجد الوضع في المشرق الإسلامي، وخاصة في إيران. وفي الواقع، فشلت الحركة الإسماعيلية هناك في تولي السلطة السياسية. بل قامت بتهدئة السلطة القائمة في مناسبات عديدة قبل وصول حسن الصباح، لكنها نجحت في المقابل في فرض حضورها الفكري على الساحة الثقافية، مهيمنة على العقول الدينية والفلسفية البارزة. وسيطرت على عدة مراكز علمية في الري وأصفهان وخراسان. وهكذا نجحت الحركة فكريا حيث فشلت سياسيا، بينما حققت نجاحا سياسيا حيث واصلت فشلها فكريا.

وفي ظل النكسات المتلاحقة، وبعد أن استنفدت الدعوة الإسماعيلية في إيران مضمونها، أصبح من الضروري البحث عن أسلوب جديد في العمل، إذ فشلت سياسة الانفتاح والعمل على الهيمنة الفكرية، فكل ما بقي تم تنظيمه تحت الأرض العمل، وهذا ما فعله حسن الصباح مؤسس «حركة القتلة». كما جاء في كتاب “أسرار الباطنية والطوائف الخفية.. حركة الحشاشين”.

مؤسس

تعود أصول حسن الصباح إلى ملوك اليمن الحميريين. عاش والده في الكوفة في العراق، ثم انتقل إلى قم، حيث ولد حسن على الأرجح. وسافرت عائلته إلى مدينة الري التي كانت من مراكز اهتمام الدعاة الإسماعيليين، حيث كان لهم نشاط بارز. يقول حسن في قطعة ذكرها المؤرخ الفارسي علاء الدين الجويني في كتابه “جهان كشاي”: “منذ طفولتي، وحتى منذ أن كنت في السابعة من عمري، كان اهتمامي الأكبر هو تحصيل العلوم والمعارف والحصول على كل ذلك”. أستطيع منها أن أتوسع في فهمي، وقد نشأت على مذهب الشيعة الإثني عشرية. «لم أر في أحد غيره سبيلًا للنجاة من مصائب الدنيا».

وظل حسن الصباح تابعا للمذهب الشيعي حتى بلغ السابعة عشرة من عمره، والتقى خلال تلك الفترة بأحد دعاة الإسماعيلية الفاطمية، ودار بينهما سجال متواصل، في ظل محاولة كل من لإقناع الآخر بصحة مذهبه، وكان هذا التقليد المثير للجدل منتشراً في جميع أنحاء بلاد فارس، حيث كان مرتعاً خصباً لمختلف الحركات الدينية والأيديولوجية، وكان أكثرها نشاطاً حركة الدعوة الإسماعيلية.

وكان للقاء حسن الصباح بالداعية الإسماعيلي الكبير الأثر الأكبر في تطوره الروحي، حيث وضعه على مفترق طرق محوري في حياته. وتعرف الصباح حينها على أحد الدعاة الإسماعيليين، وهو أبو ماج السراج، وطلب منه تزويده بالمزيد من المعلومات حول المعتقدات الإسماعيلية. وبالفعل أخبره الداعية بما يريد، ومن ثم بدأ الحسن بتأمل تلك المعتقدات ومقارنتها مع سائر المعتقدات والأيديولوجيات، مما أدى إلى اعتناقه الفعلي للمذهب الإسماعيلي.

ولما بلغ الحسن سن الشباب ونضجت قدراته العلمية، التحق بالعلم في البلاط السلجوقي موظفًا ومستشارًا إداريًا للسلطان ملكشاه. وبعد فترة من العمل غادر حسن الصباح إلى مصر، ويعتقد معظم المؤرخين أن سبب رحيل حسن الصباح وهروبه هو نشاطه الذي كان يمارسه في الدعوة إلى الإسماعيلية. حتى أنه حضر دروس علوم الباطنية التي كان يدرسها كبار الدعاة في مصر، والتقى بالإمام المستنصر معلناً الولاء له مباشرة.

وعندما ذهب الصباح إلى مصر، وقع اشتباك بينه وبين بدر الجمالي الذي كان يتولى شؤون الحكومة ويدير شؤون الدولة، حيث كان الصباح من أنصار “نزار” بن المستنصر، بينما كان بدر الجمالي يتولى شؤون الدولة ويدير شؤون الدولة. – كان الجمالي ضده ومؤيداً لأخيه الأصغر أحمد المستلي خلفاً للمستنصر، وكان الأخير منزعجاً أيضاً. ضاقت ذرعاً بالاحترام والتقدير الذي أبداه المستنصر لحسن الصباح، والذي ذكره أكثر من مؤرخ، ومنهم التنوخي في كتاب “نشوار الحضارة وأخبار الزمرة”، فطرده من مصر، بعد أن أمضى ما يقرب من ثلاث سنوات، فيما يذكر بعض المؤرخين أن مدة إقامته في مصر كانت حوالي ثمانية عشر شهرًا، عاد بعدها إلى إيران.

وطوال ما يقرب من تسع سنوات متواصلة بعد مغادرته مصر، استمر حسن الصباح في ممارسة الدعوة، وكسب أنصار جدد، والتنقل من مكان إلى آخر، بطريقة سرية للغاية وحذر شديد. وكان هو وأنصاره على استعداد لفعل أي شيء من أجل تأمين أنفسهم، وكان من بين الاغتيالات الأولى التي نفذوها قتل مؤذن من أهل سوا كان يقيم في أصفهان. وذلك لأنهم دعوه إلى طائفتهم فلم يستجب لهم. وخافوا أن ينكشف أمرهم فقتلوه.

وبعد ذلك، كان من المنطقي أن تعي السلطة السلجوقية خطرهم، وأن تتيقن أنهم ليسوا مجرد جماعة أيديولوجية، بل إن لهم توجهات تشكل تهديدا لاستقرار السلطة وأمنها، و فصدرت الأوامر بملاحقتهم، مما دفع حسن الصباح إلى التفكير جدياً في ضرورة الحصول على حصن منيع يحميه. وأتباعه، ويمنحهم الفرصة لنشر الرسالة، وهنا اتجهت عيون حسن الصباح نحو الشمال حيث هضبة الديلم.

ويعود اختيار حسن الصباح لهذه المنطقة إلى سببين. الأول هو أن سكان تلك المنطقة التي غالبيتها جبلية، كانوا يميلون إلى المذهب الشيعي، وأغلبهم من الشيعة، ولذلك فهم أكثر استعدادا من غيرهم لاعتناق المذهب الإسماعيلي. والسبب الثاني هو أن طبيعة تلك المنطقة الجغرافية تختلف تماما عن بقية دول العالم. وتقع المناطق الفارسية في الجهة الشمالية من الجبال المحيطة بالهضبة الفارسية الرئيسية. وتضم هذه المنطقة هضابًا وعرة وطرقًا صعبة، كما يوجد بها العديد من القلاع والحصون التي يصعب على الأعداء والمهاجمين اقتحامها.

ولهذا قرر حسن الصباح الاستيلاء على قلعة ألموت التي تعتبر القلعة الأكثر تحصينا في المنطقة والأكثر قدرة على توفير الحماية لطائفة الحشاشين. وكان الاستيلاء على هذه القلعة أول عمل تاريخي في حياة هذا الحزب الجديد.


أصل “الحشاشين”

واختلف المؤرخون في أسباب تسمية الحشاشين بهذا الاسم. وأرجعها البعض إلى الحشيش الذي يستخدمه مقاتلو هذه الجماعة، بينما أرجع البعض الآخر التسمية إلى أن الأصل الاشتقاقي لكلمة Assassins هو Assassin، وتعني “القتلة” أو “القتلة”، وهو اسم أطلق على الفرنسيين. الصليبيين. الإسماعيليون الذين كانوا يقتلون ملوكهم وقادة جيوشهم، ويقال أيضاً أن سبب التسمية يعود إلى كلمة “المؤسسين” إشارة إلى تأسيس قلعة آلموت.

ويعتقد البعض أن كلمة “حشاشين” جاءت من عقار “حشيش”، لكن النصوص الإسماعيلية لم تشهد على الاستخدام الفعلي للحشيش من قبل أتباع الحشاشين، والمؤرخين الرئيسيين للنزاريين مثل الجويني، الذي أرجع إلى الطائفة كل الدوافع والمعتقدات، ولم يذكرهم باسم “الحشاشين” – الذين يتعاطون الحشيش – كما أن المصادر سعوديوم لا تذكر معنى صريحًا للكلمة. وما يقوله البعض هو أن الحشيش كان وسيلة لتجنيد أتباع الطائفة. وكان لحسن الصباح أسلوب غريب في تجنيد أتباعه، حيث كان يأخذ الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والعشرين عاما ليتربيهم تربية غريبة تعتمد على تخديرهم. بمخدر خاص يقال إنه الحشيش، وبعد ذلك يشرع بإحضارهم بعد أن كانوا في حالة سكر إلى حدائق خاصة أنشأها لهذا الغرض تحتوي على طعام لذيذ وخادمات جميلات، ويتركهن وحدهن يستمتعن هناك. ثم بعد ذلك يريد أن يفيقهم من سكرتهم ويعيدهم إليه ليسألهم. وبعد ذلك، فإن أرادوا الخلود في الجنة التي أذاقهم جزءا من نعيمها، فعليهم أن يفعلوا ما يطلب منهم.


شهرة القتلة

وكانت طائفة الحشاشين مادة غنية لعدد من الروايات، إذ استوحت منها العديد من الحكايات والأساطير التاريخية. وكانت قلعة “آلموت” موضوعاً للعديد من الحكايات والأساطير التي وردت عنها أعمال في الأدب العالمي. كتب فلاديمير بارتول روايته “آلموت” التي صدرت عام 1938م، وتدور حولها القصة. عن الشخصية الخيالية “ابن طاهر” الذي انضم إلى فدائيي آلموت بناءً على رغبة عائلته، وتلقى خلال تلك الفترة التدريب اللازم.

الأمر نفسه ينطبق على رواية لويس لامور التي صدرت عام 1984 بعنوان الطبل السائر، والتي تروي رحلة ماثورين وفارس في أوروبا القديمة للبحث عن والده المفقود.


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى