
منذ فجر التاريخ، لم يفشل نهر النيل أبدا في الوفاء بجدوله الزمني. بل كان يأتي كل عام ليسقي الزرع والضرع، إلا هذه السنة.
تأخر أطول نهر في العالم ولم يصل في الوقت المحدد. وقد تكون هذه هي المرة الأولى منذ 7000 عام التي يمر فيها عيد النيل، أقدم عطلة على وجه الأرض، دون فيضان النهر.
اذا ماذا حصل؟ هل انتهت أسطورة “عروس النيل” بالنهر القديم؟
بدأت تفاصيل القصة الحزينة عندما تأخر فيضان نهر النيل، وانفجر على إثره سيل من الأسئلة المشتعلة.
لماذا انخفض منسوب النيل هذا العام؟ فهل كان الانخفاض غير المسبوق منذ بدء قياس منسوب النيل رسميا قبل 121 عاما بسبب عوامل التغير المناخي أم تأثير سد النهضة الإثيوبي؟ فهل سيكون الانخفاض مؤقتا أم دائما؟ وما هي آثاره على المدى الطويل؟ وعن الزراعة والري في السودان على وجه الخصوص؟ ثم هل استغلت إثيوبيا حرب السودان لملء سد النهضة دون مراعاة تدفق المياه إلى نهر النيل؟
وتعليقا على الأمر، أكد مختص لـ”سعوديوم.نت” ظهور علامات خطيرة على جفاف مجرى نهر النيل، من بينها أن معظم المناطق الواقعة على طول النيل الأزرق شمال الخرطوم تعاني من انخفاض كبير في منسوب المياه. لدرجة ظهور بعض الجزر في وسط النهر. بسبب الملء الرابع لسد النهضة وجفاف المجرى، مما أثر على حياة الملايين من المزارعين الذين يعتمدون على الزراعة الفيضانات.
تم خلال العام الحالي سد معظم فيضان النيل الأزرق الذي يعتبر الأكثر وفرة في إجمالي حجم إيرادات نهر النيل، مما أدى إلى نقص واضح بحوالي 25 مليار متر مكعب بنسبة 84%. وهو ما وصفه مختصون بـ«نسبة مقلقة» لم تحدث في التاريخ، حتى مع سنوات الجفاف. .
كما سجلت معدلات هطول الأمطار انخفاضاً هذا العام، بحسب مصادر رسمية في هيئة الأرصاد الجوية السودانية.
بدوره، قال مواطن من منطقة الدبة التي تبعد حوالي 330 كيلومتراً شمال العاصمة الخرطوم، لـ”سعوديوم.نت” إنه يعيش عند منعطف النيل، وعادة ما يكون النهر في منطقته في ذروته من الفيضانات في هذا الوقت حيث أنها تجاور الضفة وتهدد الجميع بالغرق. وبقي المواطنون هناك يحرسون المتاريس ويراقبون منسوب النهر عن كثب خوفا من أن يفاجأوا.
وأضاف، لكن اليوم ينحسر النيل، وظهرت جزر في وسط النهر، وهذا ما يحدث عادة في أواخر نوفمبر وديسمبر، على حد تعبيره.
إلى ذلك، أكد مواطن ثان يسكن منطقة أبو عشار (115 كيلومتراً تقريباً جنوب الخرطوم) لـ”سعوديوم.نت” أن النيل الأزرق ينحسر وتظهر جزر هلالية في وسطه، وأن منسوب المياه أقل بكثير منه في السنوات السابقة.
كما ظهرت شكاوى من المواطنين في قرى شرق سنار، خاصة منطقة أبو جيلي وضواحيها، من الانخفاض المشبوه لمياه النيل الأزرق، حيث يعتبر هذا الانخفاض قد خلق صورة تتناقض مع طبيعة نهرهم الأبدي، خاصة وفي موسم الفيضان عندما تقترب المياه من المنازل، وتبعد سنار عن الخرطوم حوالي 280 كيلومتراً. كم جنوبا.
مبادرات مصرية لنشر ثقافة المحافظة على مياه نهر النيل
بالإضافة إلى ذلك، يشكل النيل الأزرق والنيل الأبيض الرافدين الرئيسيين اللذين يغذيان نهر النيل بالمياه.
تم بناء سد النهضة على النيل الأزرق الذي يزود النيل بحوالي 75% من مياهه.
كما يبعد السد حوالي 30 كيلومترا عن الحدود السودانية الإثيوبية، وبدأ تشييده، الذي تبلغ تكلفته أكثر من 3.7 مليار دولار، في عام 2011.
بينما تقول إثيوبيا إن المشروع ضروري لدعم تنميتها الاقتصادية.
تغير المناخ!
وفي السياق نفسه، أشار الدكتور الفاتح ياسين الأستاذ والباحث في البيئة والتنمية المستدامة لـ”سعوديوم.نت” إلى عدم وجود علاقة قوية بين تأخر فيضان نهر النيل والملء الرابع للخزان. سد النهضة الاثيوبى.
وأضاف أن حجم الفيضانات التي شهدها السودان العام الماضي كانت كبيرة جداً مقارنة بالأعوام السابقة، وربما كانت الأعلى من حيث المستويات، حيث تجاوز نهر النيل المستويات القياسية لعامي 1988 و1946، بحسب رصد منسوب النيل. منذ أن بدأت عام 1902م.
وأكد أن فيضانات العام الماضي تسببت في دمار كبير في خمس ولايات بالسودان هي “نهر النيل، الجزيرة، النيل الأبيض، كسلا، وشمال كردفان”.
ورغم أن إثيوبيا قامت بالملء الثالث لسد النهضة في أغسطس من العام الماضي، إلا أن ذلك لم يسلم السودان من الفيضانات التي دمرت هذه الولايات، وبالتالي فإن قلة الفيضانات في السودان هذا العام لا علاقة لها بإثيوبيا وتنفيذها للملء الثالث. عملية التعبئة الرابعة. وبالنسبة للسد، فهذا يدل على عدم وجود علاقة قوية بين فيضانات السودان وملء سد النهضة الإثيوبي.
وأرجع الدكتور الفاتح الأمر إلى أن هطول الأمطار في السودان أصبح نمطا غير مستقر في السنوات الأخيرة بسبب التغيرات المناخية.
وأشار إلى أن السودان يعتبر سادس أكثر الدول تضررا من تغير المناخ، والأقل استعدادا للتكيف مع تأثيراته وضعف استجابته، موضحا أنه يعاني الآن من الجفاف، نتيجة بعض الأنشطة البشرية والمادية، مثل حفر الآبار السيفونية التي قد تلوث المياه الجوفية، وعدم توفر شبكات الصرف الصحي والصناعية، وكذلك التعدين. إن الاستخدام العشوائي للسيانيد والزئبق، اللذين يلعبان دورا رئيسيا في تلويث مصادر المياه والشواطئ والتربة والمزارع والمراعي عندما تجرفها السيول والفيضانات، يعيق نمو النباتات والحيوانات. وهذا بدوره يؤدي إلى الجفاف ويسبب شح الموارد، ومن ثم يفقد المزارعون والرعاة مهنتهم ومزارعهم ومراعيهم، وظهور عملية الهجرة والنزوح بحثاً عن الغذاء والمهن ومصادر العيش والعيش الكريم. والحياة الآمنة، وكل هذه آثار تغير المناخ.
وحول احتمالات استغلال إثيوبيا الصراع الحالي في السودان لملء سد النهضة دون الأخذ في الاعتبار تدفق المياه إلى نهر النيل الأزرق، يشير الدكتور الفاتح ياسين إلى أن السودان يعاني من عدم الاستقرار السياسي والحروب والصراعات المسلحة، وآخرها الحرب الدائرة حالياً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وقد قللت هذه الصراعات والحروب من طابع السودان السياسي والدبلوماسي من حيث العلاقات والمصالح والتقاطعات والملفات الاقتصادية والأمنية والتجارية. بينها وبين الدول الأخرى وخاصة الدول المجاورة.
وعليه فإن إثيوبيا ومصر والسودان ترتبط بمياه النيل، باعتبار أن إثيوبيا هي دولة المنبع، والسودان دولة العبور، ومصر دولة المصب.
وبسبب الصراع المسلح في السودان، انشغلت الخرطوم ولم تعير أي اهتمام لقضية سد النهضة الإثيوبي وأمنه المائي، على عكس الحكومة المصرية التي أولت له اهتماما كبيرا، لأنه يضر بأمنها المائي والغذائي. ويجب على الخرطوم أن تلقي نظرة فاحصة على ملف المياه هذا، بحسب تعبيره.
أسطورة “عروس النيل”
يشار إلى أن «عروس النيل» قصة يختلف صدقها بين الأساطير والروايات التاريخية. يتحدث عن فتاة جميلة تتزين بأجمل وأغلى المجوهرات ثم يتم إلقاؤها في النهر قبل وقت الفيضان، لتتدفق المياه عبر الوادي وتنقذ مصر من الجفاف.
وعلى مدى 60 عاما، عززت السينما المصرية هذه المعلومات التي تناقلتها الأجيال وما زالت تتوسع عن الحضارة المصرية، من خلال فيلم “عروس النيل”.
القصة الأسطورية كان لها من يؤيدها تاريخيا، ومن يرفضها جملة وتفصيلا. وقد ذكر المؤرخ اليوناني بلوتارخ أن إيجيبتوس ملك مصر أراد أن يمنع الكوارث التي حلت بالبلاد، فنصحه الكهنة أن يرمي فتاة في النيل، ففعل، ثم تغلب عليه. بالندم الشديد وألقى بنفسه بعدها.
انجذبت السينما إلى القصة، وقدمتها في صورة «فانتازيا» من خلال فيلم «عروس النيل» عام 1963.