
وفي مقابلة أجرتها “عكاظ” مع قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي في أيلول/ سبتمبر 2018، قال إن أكثر من 12 ألف شاب قتلوا خلال الحرب ضد “داعش”، ويبدو أن هذا رقم ضخم. رقم شمال شرق سوريا.
وبعد خمس سنوات بالضبط، يتساءل المرء، أين انتهى كل هذا؟ وانتهى الأمر على عتبة العشائر سعوديوم في دير الزور، وهو ما أظهر أن “قسد” لم تكن قادرة أو غير راغبة في فهم تطلعاتهم إلى إدارة مناطقهم بأنفسهم، وأيضاً فهم دورهم في الحرب ضد التنظيم الإرهابي. .
وبعد مرور هذه السنوات تحولت سيطرة “قسد” على دير الزور إلى نوع من الاستكبار في السيطرة، وتجاهل منح المكافآت للعشائر التي شاركت ودفعت ثمناً باهظاً في الحرب ضد “داعش”. .
المسمار الأخير في نعش التعايش
قبل أسبوعين انتظرنا عدة ساعات لنفي اعتقال القيادي في مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل الملقب بـ”أبو خولة”. لأنه خبر لا يصدق، ظناً منهم أنه إشاعة تضرب العلاقات سعوديوم الكردية في المنطقة، ولم تمض سوى ساعات حتى ظهر أحد قيادات المجلس المعتقلين في فيديو من مكان اعتقاله يؤكد فيه الاعتقال. دير الزور إلى الأبد، مهما كانت نتيجة المعركة هناك؛ لتوديع أربع سنوات من الحكم في شرق دير الزور. وذلك لأن هذا الخطأ لا يغتفر، ولن يقع فيه أحد يعرف طبيعة العشائر في هذه المنطقة، إلا أن “الفأس سقط في الرأس”، ودقت “قسد” المسمار الأخير في نعش التعايش في دير الزور.
خلال الأسبوعين الماضيين، ومع كل ما يحدث في دير الزور، كان السؤال الأكثر تردداً في أذهان متابعي المشهد هو مدى الكراهية والغضب تجاه “قسد”، وأين كانت كل هذه المواقف والمواقف؟ مشاعر؟ وكيف يمكن لمثل هذا التراكم الخفي أن يشتعل ويتدفق بهذه القوة ضد حكمه وسيطرته، ويجتاح مواقعه بطول 50 كيلومتراً في أقل من 24 ساعة؟
ماذا حدث؟ لماذا هذا الانهيار والصراع بين العشائر و”قسد”؟ فهل حدث كل هذا على خلفية اعتقال قائد المجلس العسكري السوري وقيادات أخرى؟ فكيف يمكن لقرار واحد أن يبعثر سيطرتها في شرق الفرات ويشعل الغضب تجاهها بهذه القوة؟
ما حدث أزاح الغطاء، وكشف الثغرات الخفية في إدارتها لمدينة دير الزور شرق الفرات، وأظهر هشاشة القبضة الأمنية، وانعدام الثقة بكل مؤسساتها، وأوضح ذلك بشكل قاطع دليل على أن سنوات العسل لم تكن سوى بركان خامد ينتظر لحظة ثورانه.
بركان الغضب وجرس الإنذار
ولنكن أكثر صراحة.. في هذه المرحلة الحرجة أثبت غضب العشائر أن حكم “قسد” ليس إلا قشرة رقيقة تهربت مع الاختبار الأول، وأن الفهم الكردي للعشائر رغم تداخله على أربع سنوات، سطحية وقيمتها صفر.. لم يكونوا على أرض واحدة، بل كانوا في جزر منعزلة. ولم تلق المطالبات بتوسيع الحكم العربي المدني والعسكري أي رد كردي، فانفجر البركان باعتقال “أبو خولة” الذي لم يكن يتمتع أصلاً بسمعة طيبة بين العشائر، لكنها كانت الفرصة الأولى لـ المكون العربي للتخلص من أسلوب “قسد”، وحدث مثل اعتقال “أبو خولة” أمر كبير لن يتكرر، خاصة أنه يمس العشيرة.
وكان واضحاً أن “قسد” لم تفهم حساسية اعتقال الخبيل وسيطرة العقل الأمني على مفاصل حكمها والانتقام من الخبيل الذي حاول التربع على عرش دير الزور وانحرفت عن نظامها، وهو ما انعكس بوضوح في قرار اعتقاله، دون وعي بعواقبه وعواقبه.
لم تكن “قسد” كما هي اليوم في الماضي، لكن يبدو أن نشوة احتكار الحكم، وجمع كل الإدارات المدنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، كل هذه المعطيات عززت ثقتها إلى حد من الغش، فوقع الحرام. يحدث هذا عندما يتحول المقاتل إلى حاكم، وينتشي بطعم السلطة.
ما يحدث في دير الزور هو صفارة إنذار ضد “قسد” ومشروع الإدارة الذاتية، لكن هل يتوقف الأمر عند دير الزور؟ هناك حسابات كثيرة بينها وبين محيطها يصعب تفسيرها، لكن سبب انهيار التجربة في دير الزور يعود إلى أن الكردي أصبح متفوقاً على العربي بحكم كونه أحد العرب. أبناء السلطة المركزية في القامشلي – هذا هو واقع الوضع – الذي يمثل ثقلاً على التراث العربي في دير الزور، إضافة إلى تصنيف حزبي وغير حزبي، وغيرها من مستويات التعامل مع الوضع في دير الزور دير الزور، لا تعكس فكرة العيش المشترك على أساس الانتماء للأرض والتاريخ، وهو ما تكرره “قسد”.
لم يعد هناك أي معنى لاقتتال قوات سوريا الديمقراطية ضد العشائر في دير الزور، ولم يعد هناك مجال للعودة من جديد للإصلاح، فـ”اتساع الثغر على الرقعة” ووقعت الخسارة، حتى لو كان وتقرر الوضع الميداني لصالحها.
لماذا تجاهلت أمريكا العشائر؟
الخسارة ليست خسارة آبار النفط، ولا هي خسارة الجغرافيا أو “المساحة الصديقة” مع التحالف الأميركي التي يتم من خلالها القتال ضد “داعش”. شباب العشائر في عرف الإدارة الذاتية يتحولون ليل نهار إلى مرتزقة وخارجين عن القانون وبقايا “داعش”، وكانوا إخوة الأمس في المستقبل؟ هذه أكبر خسائر “قسد” في سوريا، وربما تقارن بخسائر عفرين وتل أبيض ورأس العين!
أما أميركا فهي قصة من نوع ثان. إنها حالة نعتقد أنها تعرف كل شيء عن كل شيء، حتى طريقة نومنا، لكنها في الواقع لا تعرف ما يكفي للتعامل معنا. فهو يفشل في إدارة المناطق وتحقيق التعايش ويحتاج دائماً إلى النصيحة. صحيح أنها تسمع لكنها لا تسمع، وهذا كان سبب الانفجار. الوضع في دير الزور، حيث تجاهلت العشائر طوال السنوات الماضية.