أحرف الرمل

ترسم الجغرافيا معالم وتضاريس صحراء النجدي، ويرسم الشعر مشاعر وأحاسيس صحراء النجدي، ومن تضاريس صحراء النجدي ومشاعر النفس الإنسانية تشكلت بذرة القصيدة سعوديوم في نجد. تضاريس الصحراء تجعل الإنسان شاعر المناخ المعتدل، وهدوء الكثبان، وخضرة المراعي، وعزلة الصحراء، وسفر الأحبة والبيوت. واجتمعت هذه الطقوس مع طبيعة الإنسان العربي ومروءته وسمو أخلاقه، ومن هذا الخليط ظهرت القصيدة سعوديوم التي تحمل خصائص المكان والشخص، فكانت أجمل ولادة للشعر العربي قصيدة آل -المعلقة. والمعلق الشعري النجدي فخر الشعر العربي وقمة البيان العربي. المعلقة التي علقها العرب على ستائر الكعبة احتفالاً بها وافتخاراً بها، ويعلقونها في ذاكرتهم حتى يومنا هذا، مستلهمين معانيها السامية، مقلدين فروستها الدائمة، وحزناً على آثارها المشرقة. وواصل المعلق، الذي غادر فيما بعد صحراء نجد إلى مدن وعواصم التاريخ العربي، رسم القصيدة سعوديوم بأحرف رملية. ولا توجد قصيدة عربية دون أن تكتبها حروف الرمل وروح الصحراء ترسمها منذ العصر الأموي إلى العصر العباسي والأندلسي إلى العصر الحديث إلى يومنا هذا. ومهما تغيرت القصيدة سعوديوم وتطورت، فإنها ستظل تحمل جينات القصيدة النجدية بصفاتها الوراثية الشعرية، مهما مر الزمن، وستبقى حروف الرمل صوتها ونطقها ومعناها. يقول الشاعر محمد الثبيتي في قصيدته صفحة من أوراق بدوي:

وهذا في هوس الصحراء أغنيتي

تهديد الحب في مرعى الشويهاتي

أنا حصان عجوز فوق شعره

توزع الشمس أضواء الصباح

جئت راكضاً وتبعتني الصحراء

وحروف الرمل تجري بين خطواتي

آه لو صببت البدر في كبدي

أو تشعل دماء البحر بداخلي

لن تزيل بقايا الرمل من كتفي

ولا رائحة الخزامى من عباياتي

الثبيتي هو الشاعر الذي عاش روح العصر الحديث وحداثته. وظلت الصحراء تسكنه فكتب قصائده مكتوبة بأحرف رملية، ورسمه كفارس عربي قديم يقف في وجه الحضارة الحديثة، يتغنى بروح الصحراء ومراعيها، ويرفض أن تسرق الحضارة الجديدة له بقايا الرمل، ورائحة الخزامى، ولبس العباءة. روح الصحراء وحروفها ليست حال الثابتي فقط، بل هي حال كل شاعر عربي مهما ادعى حداثته. وسنلمح حروف الرمل وروح الصحراء في قصيدته. إن حدث عن مروءته فهو عنترة بن شداد، وإن غنى لمحبوبته فهو امرؤ القيس، وإن كان معتزًا بعزته فهو عمرو بن كلثوم، ولا يهم وكيفية منهج الحداثة، سنلمح في قصيدته جينات القصيدة النجدية. يقول الشاعر المحدث شوقي عبد الأمير في قصيدته الصحراء والقيثارة:

يا صحراء

عرفتك في قوافل الشعراء

يا صحراء

يا وميض مخفي

يا خمر امرؤ القيس

وحصان عنترة

وغضب ابن كلثوم

يا لها من ليلة رائعة

أنت أم اللغة العظيمة وحلق السماء

يا كعبة الكثبان والهودج

يا سيدة الجلال والخراب وصناعة الرمل

وفي قصيدة شوقي عبد الأمير، رسالة كل شاعر عربي في كل زمان ومكان… تحمل سمات شعراء المعلقة النجديين، وطبيعتهم سعوديوم، وقيمهم الفروسية.




مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى