تفسير القرآن.. ما قاله القرطبي في “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام” – سعوديوم

ونقف مع كلام الإمام القرطبي في تفسيره المعروف بـ “الذي يجمع أحكام القرآن ويبين ما فيه من السنة وأي معيار” ونقرأ ما قاله في التفسير سورة البقرة، الآية 183 (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب عليكم، والذين من قبلكم لعلكم تتقون).

وفيه مسائل كثيرة، ونجد في قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام”. ولما ذكر ما يشرع لأولي القصاص والوصية، ذكر أيضا أن الصيام كتب عليهم، وأوجب عليهم ذلك، وفرض عليهم، ولا خلاف فيه. فقال صلى الله عليه وسلم: (يا بني بني الإسلام على خمس أشياء: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج) رواه ابن عمر.

ومعناه في اللغة الزهد وترك الانتقال من حال إلى حال. وسمي الصمت صوما لأنه الإمساك عن الكلام. قال الله تعالى عن مريم: «إني نذرت للرحمن أن أصوم» أي أن أمتنع عن الكلام.

الصوم: ركود الريح، وهو منع هبوبها، وصام الحيوان على دوابله: قام وثبت ولم يعدل، وصوم النهار: اعتدل، وصوم الشمس. حيث استقر في منتصف النهار.

الثاني: أن فضل الصيام عظيم، وأجره عظيم. وقد روى الأئمة في مسندهم آثارا كثيرة صحيحة وحسنة، وسيأتي بعضها، ويكفيك الآن في فضل الصيام أن الله أخصه مضافا إليه، كما ثبت في الحديث. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مخبراً عن ربه. : (يقول الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به) الحديث.

ولكن خص الصوم بأنه له، مع أن جميع العبادات كانت له لسببين يوضح بهما سائر العبادات. أحدهما أن الصوم يمنع ملجأ النفس وشهواتها مما لا يمنع عنه سائر العبادات، والثاني أن الصوم سر بين العبد وربه لا ينكشف إلا له، فقد تصبح محددة. وبهذا وغيره من العبادات يتبين أنه ربما فعل ذلك رياءً ونفاقاً، ولهذا صار الصيام أخص بالصيام من غيره. وقيل هذا هو .

الثالث: قوله تعالى: “”كما كتب”” الكاف في محل نصب من الصفة، أي كتابة كما، أو صيام مثل. أو على شرط الصيام، أي: كتب عليكم الصيام مثل ما كتب على الذين من قبلكم. قال بعض النحويين: «الكاف» بالرفع صفة للصيام، إذ ليس تعريفه خالصا لمحل العموم فيه على التفسير الشرعي. ولذلك يجوز وصفه بـ “أنت” لأنه لا يستخدم إلا للنكرة، فهو في موضع “كتب عليك الصيام”، وهذا الرأي ضعيف. و”ما” بالصغيرة، وارتباطها: “كتب على الذين من قبلكم”. والضمير في “كتب” يعود إلى “ماذا”.

وكما نجد في قوله تعالى: «لعلكم تتقون» تنطبق عليهم «لعل» كما تقدم. وقيل: التقوى هنا: تضعف، لأنه كلما قل أكلك ضعفت شهوتك، وكلما ضعفت شهوتك قلت الذنوب. وهذا جانب مجازي جيد. وقيل: اجتناب الذنب. وقيل: هو على العموم، لأن الصيام كما قال صلى الله عليه وسلم: (الصوم جنة وأجر وسبب للبر، لأنه يقتل الشهوات).


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى