
“الوضع هنا صعب للغاية. هناك وباء كامل، والمكان ملوث للغاية، ويعيش حوالي 70 شخصًا في غرفة واحدة، معظمهم من الأطفال. لديّ 8 أفراد من عائلتي هنا، ونصف أطفالي يعانون من أمراض خطيرة كالإسهال والتهاب السحايا”. بهذه الكلمات تصف المستشارة سميرة الجليس الدعوى القضائية لدى وزارة العدل الفلسطينية والمعاناة التي تعيشها مع عائلتها في جنوب غزة.
اضطرت للنزوح من مدينة غزة إلى وسط القطاع، ثم إلى مراكز الإيواء في الجنوب، هرباً من القصف والحرب، لتجد نفسها معرضة لخطر التسمم والتلوث وانتشار الأوبئة، بحسب موقع الحرة الأمريكي.
وتؤكد سميرة أن المشكلة الأساسية والحقيقية تكمن في الحمامات، وهي مشكلة رهيبة جداً وتلوثها كبير. وبعد ذلك تأتي أزمة توفر المياه الصالحة للشرب والاستخدام.
التلوث والتسمم
تحدثت سميرة بوجه حزين متعب وعينين غمازتين: «أنا لا أتحدث عن نفسي هنا فقط. أنا أتحدث عن عموم السكان الذين نزحوا إلى هذه المنطقة. جميع النساء والأطفال من جميع الأعمار يعانون من نفس الظروف. واليوم، فقدوا جميعهم الكثير من الوزن، بسبب سوء التغذية. إنهم يعانون من التسمم الدائم بسبب… المياه الملوثة ونقص المياه المعدنية”.
وأضافت: “حتى الغرف التي يعيش فيها النازحون في حالة سيئة للغاية، نعاني كثيرا مع الغسيل، ونفتقر إلى مواد التنظيف لغسل ملابسنا، خاصة أن معظمنا نزحوا من غزة إلى الجنوب ومعنا كمية بسيطة من الملابس”. وأغلبهم ملابس صوفية.”
وسميرة واحدة من آلاف الأشخاص الذين يواجهون ظروفاً معيشية صعبة للغاية، نتيجة عدم جاهزية مراكز الإيواء والبنية التحتية للمناطق لاستيعاب العدد الكبير من النازحين الجدد هناك، والذي وصل إلى أكثر من مليون شخص.
كارثة وشيكة
يضاف إلى ذلك انقطاع المواد الأساسية والرئيسية نتيجة الحصار على قطاع غزة، ونفاد الوقود، وهو ما يعكس المزيد من التداعيات والمعاناة على مختلف مناحي الحياة، في ظل انهيار الأوضاع الصحية والسكانية. قطاع المستشفيات في غزة وارتفاع كبير في أعداد المصابين والمرضى بما يتجاوز الخدمات المقدمة.
كل ذلك أصبح نذيراً بكارثة إنسانية وشيكة في صفوف النازحين الفلسطينيين وأماكن اللجوء في جنوب غزة، ناجمة بالدرجة الأولى عن ارتفاع خطر انتشار الأوبئة والأمراض، خاصة القاتلة منها، بسبب تدهور الأوضاع المعيشية التي تزداد سوءاً. مع عدم توفر المياه النظيفة وعدم توفر المراحيض الكافية، بالإضافة إلى تراكم النفايات.
اضطرابات معوية
يروي محمد الخضري، النازح الفلسطيني من مدينة غزة إلى خان يونس جنوبا، كيف تدهورت الأمور منذ وصوله إلى مركز الإيواء التابع لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، حيث كانت الأمور “ “كانت جيدة في البداية”، ولكن عندما زادت أعداد النازحين… “واجهنا العديد من المشاكل، بما في ذلك نقص المياه، ونقص النظافة والغسيل، وعدم توفر مياه الشرب الآمنة، مما دفعنا إلى شرب المياه الملوثة”.
ونتيجة لذلك أصيب أطفال محمد الثلاثة بالمرض. وجميعهم عانوا من «التهابات معوية»، وهي أعراض تسمم تشمل الإسهال والقيء والمغص الكلوي والتهابات المسالك البولية، «بسبب سوء التنظيف والتعقيم واستخدام الحمامات في أماكن غير مهيأة لاستقبال كل هذه الأعداد». “
التعب الشديد
والأمر نفسه يتكرر مع غادة الكرد، صحافية من غزة تعمل مع عدة وكالات أجنبية. ورغم حرصها على شرب المياه الآمنة والنظيفة، إلا أنها لم تعد تجد مصدرا لها في ظل الانقطاع الشديد للمياه في قطاع غزة ومراكز الإيواء، ما اضطرها، بحسب ما تقول لموقع “الحرة”. » شرب الماء من مصادر مجهولة.
ومنذ ثلاثة أيام، أدى ذلك إلى إصابتها بتعب شديد منعها من الأكل والشرب، ترافق مع إسهال شديد، مما جعلها ترقد على الأرض لمدة ثلاثة أيام، في خيمة لا تحتوي على أي مرتبة أو وسائد.
وخلال ثلاثة أسابيع، تم توزيع زجاجات المياه المعدنية مرة واحدة فقط من قبل الأونروا، بحسب ما أكدت غادة، مضيفة: “حصلنا على 12 زجاجة ونحن سبعة أشخاص. وإذا احتاج أحدنا إلى لترين يومياً، لم يكن ذلك كافياً، مما دفعنا إلى شراء المياه المحلاة.
ونتيجة لذلك، أصيب أطفال شقيقتها الأربعة بالتهابات معوية، بفارق أيام بين بعضهم البعض، «ومرض بعضهم أكثر من مرة، بسبب نقص الغذاء والمياه النظيفة غير الملوثة».
نفس المعاناة
ويتقاسم الجميع في غزة نفس المعاناة مع النقاط الطبية المنتشرة في كافة مراكز الإيواء، والتي أصبحت غير قادرة على مواجهة سيل الاحتياجات الطبية الذي يتزايد يوما بعد يوم.
ويلجأ بعض الأهالي إلى العيادات والأطباء خارج مراكز الإيواء جنوب غزة، في ظل انقطاع وشح كبير للأدوية واكتظاظ المراكز الصحية والمستشفيات.
سميرة توجهت أكثر من مرة إلى النقاط الطبية، لكن للأسف ابني لم يستفيد من الدواء الذي وصف له، فيما اضطر محمد للحصول على الدواء لأولاده “من الخارج”. أما غادة، فلم تجد وسيلة للوصول إلى المراكز الطبية أو العيادات خارج مناطق الإيواء، بسبب عدم توفر وسائل النقل. ووسيلة الوصول بسبب نفاد الوقود، وعدم قدرتها بسبب المرض على السفر سيرا على الأقدام إلى وجهتها، مما دفعها للجوء إلى الأطباء النازحين والصيادلة أيضا في مراكز الإيواء، الذين زودوني ببعض الأدوية التي يحتاجونها. كان متاحا.
خطر الكوليرا
وتضيف غادة أنها وشقيقتها تلجأان الآن إلى الطب الشعبي البديل والوصفات البدائية التي تعلمناها من أمهاتنا وجداتنا، مثل شاي الأعشاب، لمواجهة هذه الأمراض.
مروة أبو عودة، الباحثة في التنمية الاقتصادية، والمتواجدة حالياً في أحد مراكز إيواء الأونروا، وهي حامل في شهرها الثامن، تتحدث عن المعاناة التي يواجهها الناس بسبب التلوث المنتشر. وتقول إنه يمكن رصد هذا التلوث في المياه بالعين المجردة. ويمكن رؤية آثار مياه الصرف الصحي، بينما يستخدمها الناس للاستحمام.
وبحسب مروة، فإن ذلك أدى إلى ظهور أعراض أمراض غريبة وجديدة، خاصة لدى الأطفال وكبار السن، وأبرزها الأمراض الجلدية.
بدورها، تلفت غادة إلى المشاكل التنفسية التي يعاني منها النازحون أيضاً، نتيجة اضطرارهم لإشعال النار للطهي، بسبب نفاذ الوقود والغاز، كما أن الدخان المنبعث من هذا العدد الكبير من النازحين خلال أوقات تحضير الطعام التي تمتد على مدار اليوم، تؤدي إلى مشاكل في الجهاز التنفسي والسعال. لقد تركنا مرة أخرى.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن نقص الوقود أدى إلى تعطيل عملية جمع النفايات الصلبة، ما خلق بيئة مواتية للانتشار السريع والواسع للحشرات والقوارض التي يمكن أن تنقل الأمراض أو تكون وسيطة لها.
كما أدى نقص الوقود في القطاع المكتظ بالسكان إلى إغلاق محطات تحلية المياه، ما زاد من خطر انتشار الالتهابات البكتيرية مثل الإسهال، بحسب المنظمة.
تداعيات الحرب على غزة:
- 1.5 مليون نازح
- 2.3 مليون معرضون لخطر الموت
- 355 ألف مريض
- 12 ألف شهيد
- 5 آلاف طفل شهيد
- 29 ألف مصاب
- 3.2 ألف مفقود