
في الذكرى السابعة لرحيله، يُستعاد اسم الفنان القطري عبد العزيز جاسم، كأحد العلامات التي أسست لمرحلة ناضجة من الدراما الخليجية. وهو ممن جعل من التمثيل خطابا فنيا يصطدم بالواقع دون أن يفقد قيمته الجمالية. ويتجاوز في سيرته الذاتية مفهوم النجومية إلى الممارسة الواعية للفن. كان كل ظهور له بمثابة حوار مفتوح بين النص والإنسان، بين الدراما كصناعة، والفن كوعي بالحياة.
تتميز تجربة عبد العزيز جاسم بأنها لم تبنى على التكلف أو البحث عن البطولة، بل على إدراك جوهر الشخصية داخل المشهد. يقرأ النصوص بوعي نفسي واجتماعي، يفكك الحالة من الداخل قبل طرحها على الخارج. ولم يكن أداؤه تقليداً للواقع، بل كان تفسيراً له. وعندما ضحك أعطى للضحكة سياقها الاجتماعي، وعندما حزن ترك في الحزن بعدا تأمليا يتجاوز الحدث الدرامي. ولذلك فإن التناقض بين الكوميديا والمأساة بالنسبة له لم يكن فصلا بين حالتين، بل هو دمج مستويين في رؤية واحدة. الإنسان كما هو بكل بساطته وتعقيده.
وفي سياق إقليمي متقاطع مع التجارب الخليجية، تألق جاسم في لحظة توتر فني حقيقي.
وفي الثمانينيات والتسعينيات، كانت الدراما الكويتية تتصدر المشهد الخليجي بإنتاجها المتكامل ومدارسها الفنية الراسخة، بينما كانت الدراما السعودية تنمو بوعي واقعي جديد يحاكي المجتمع من الداخل. ووسط هذا الحضور القوي، استطاع جاسم أن يخلق لنفسه مكانة واضحة، ليس كمنافس، بل كصوت فريد في لهجته، ومثقف في اختياره، وملتزم بأدواته. لقد خلق توازناً نادراً بين الحضور المحلي في قطر والمشاركة الواسعة في الأعمال الخليجية. وكان جسراً فنياً بين التجارب الخليجية دون أن يتخلى عن هويته الفنية القطرية التي حملت سمات النضج والتجريب.
كان لدى جاسم قدرة دقيقة على التعامل مع المواقف الدرامية مثل كائن حي. وكان يدرك أن كل لحظة على الشاشة تتطلب الاقتصاد في الحركة وتكثيف التعبير. ولذلك كانت معظم مشاهده مشبعة بإيقاع داخلي يفرض الإقناع ليس عبر الصوت بل عبر الشعور. مدرسة الأداء هذه – المدرسة التي لا ترفع الصوت بل ترفع الوعي – جعلته في نظر النقاد ممثلا مسالما بأدواته، يعمل على التفاصيل الصغيرة كأنها نص داخل نص، وعلى الإيماءة كأنها حوار مستقل.
ولم يكن عبد العزيز جاسم، في جوهر تجربته، ممثلاً ماهرًا فحسب، بل كان أيضًا صاحب مشروع فني خفي. مشروع يقوم على إعادة تعريف الممثل الخليجي كمثقف فني، وليس مجرد منفذ نص.
أخبار ذات صلة